الكويت... أوضاع مستجدة بعد حل البرلمان

كونا/ أ ف ب
كونا/ أ ف ب
أمير الكويت مشعل الاحمد الجابر الصباح متوسطا الحكومة الجديدة في 15 مايو

الكويت... أوضاع مستجدة بعد حل البرلمان

جاء خطاب أمير الكويت يوم العاشر من مايو/ أيار، ليضع حدا للتجاذبات السياسية والفوضى التي افتعلها عدد من أعضاء مجلس الأمة خلال السنوات الماضية. الأمير أكد من خلال خطابه أنه على مدى السنوات الثلاث الماضية ومنذ توليه ولاية العهد في عهد المغفور له الشيخ نواف الأحمد الصباح، الأمير الراحل، أكد على الالتزام بالدستور ومواده والقوانين التي تحكم العمل في البلاد.

بيد أن الحياة السياسية التي استقرت منذ أن اعتمد الأمير الراحل الشيخ عبد الله السالم الصباح دستور البلاد الذي وضعه المجلس التأسيسي في نهاية 1962، مرت بمراحل متعددة وتعثرت بين فترة وأخرى.

وعندما اعتمد الدستور في نوفمبر/تشرين الثاني 1962 كانت الكويت بلدا صغيرا محدود السكان حيث لم يتجاوز عدد السكان 322 ألف نسمة منهم 161 ألفا من الكويتيين. لم يزد عدد الناخبين آنذاك عن 40 ألفا من الذكور فقط. بطبيعة الحال تطورت أوضاع كثيرة وأصبح عدد السكان في الكويت ما يقارب 4.8 مليون نسمة منهم 1.5 مليون نسمة من الكويتيين وبلغ عدد الناخبين ما يزيد على 800 ألف من الذكور والإناث بعد أن تم تمكين المرأة من ممارسة حقوقها في الانتخاب والترشح لمجلس الأمة عام 2005.

الكويت حققت إنجازات مهمة وتم إقرار تشريعات مفيدة للبلاد من قبل مجلس الأمة على مدى العقود الستة الماضية. لكن مقابل الإيجابيات هناك سلبيات في الأداء حيث برزت عصبيات في العملية الانتخابية مبنية على الانتماءات القبلية والطائفية وتعزيز دور الإسلام السياسي الذي عزز النزعات المعادية للقيم المدنية والعصرية. أهم من ذلك أن المجالس النيابية المنتخبة منذ عام 1992 (الانتخابات التشريعية الأولى بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي) ساهمت في تعطيل الإصلاح الاقتصادي ودفعت البلاد إلى الانعزال عن التطورات الاقتصادية التي شهدتها دول الخليج على مدى العقود الثلاثة الماضية.

مقابل الإيجابيات هناك سلبيات في الأداء حيث برزت عصبيات في العملية الانتخابية مبنية على الانتماءات القبلية والطائفية وتعزيز دور الإسلام السياسي الذي عزز النزعات المعادية للقيم المدنية والعصرية

 كُبّل القطاع الخاص وأجهضت القوانين التي اعتمدت لتطوير وتعزيز مساهمته في الحياة الاقتصادية وأهمها القانون رقم 37 الصادر سنة 2010 المتعلق ببرامج التخصيص. وتبنى مجلس الأمة خلال المجالس التشريعية المنصرمة سياسات مالية اتسمت بالإسراف والهدر ولم تفلح المطالبات الموضوعية لترشيد الإنفاق ووضع حد للزيادات في الإنفاق الجاري وأهم البنود الرواتب والأجور والدعم. ولم تفلح هذه المطالبات من كثير من الاقتصاديين والمحاولات الحكومية في إقناع أعضاء مجلس الأمة بتبني سياسات مالية تؤدي إلى التحكم في سقف معقول للإنفاق الحكومي. ولذلك ارتفعت مخصصات الإنفاق في ميزانية 2024-2025 إلى 24.5 مليار دينار كويتي، أو 80 مليار دولار، في حين لم تتجاوز الإيرادات المتوقعة 18.7 مليار دينار أو 61 مليار دولار، ما يعني تحقيق عجز قد يصل إلى 5.9 مليار دينار أو 19 مليار دولار.

كونا/ اف ب
رئيس الوزراء الكويتي الجديد الشيخ احمد العبد الله الصباح يؤدي القسم امام الامير مشعل الاحمد الجابر الصباح في 15 مايو

هناك عوامل أخرى دفعت أمير البلاد لتعليق العمل بعدد من مواد الدستور وحل مجلس الأمة لأمد لا يتجاوز السنوات الأربع. جرى التطاول على صلاحيات الأمير من قبل عدد من الأعضاء وهدد بعضهم باستجواب وزير الداخلية قبل أن يقسم هؤلاء الأعضاء وقبل افتتاح دور الانعقاد الأول للفصل التشريعي للمجلس الذي جرى انتخابه يوم الرابع من أبريل/نيسان الماضي. وقبل أن يصدر المرسوم المتعلق بتشكيل مجلس الوزراء الجديد. هذه الممارسات غير السوية وغير الناضجة من الأعضاء، لم تجد من يكبحها من الأعضاء الآخرين، وخصوصا أولئك الذين عاصروا الحياة النيابية لأمد طويل. وعندما صدرت المراسيم بحل مجلس الأمة يوم 10 مايو/أيار ، تنفس المواطنون الصعداء وشعروا أن عبئا ثقيلا قد أزيح عن طريق التنمية، وأيقن آخرون أن هناك إمكانية لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والعمل على تطوير البنية التحتية وتطوير منظومة التعليم ورفع جودة الرعاية الصحية في البلاد.
لا شك أن الحكومة الجديدة برئاسة سمو الشيخ أحمد عبد الله الأحمد الصباح تواجه تحديات مستحقة حيث لم يعد هناك مجلس أمة يمكن أن يعطل أعمالها. ينتظر المواطنون إصلاح الطرق والبنية التحتية التي تضررت خلال السنوات الماضية بفعل الفساد الإداري وسوء الإنجاز. كما يأمل هؤلاء المواطنون الاهتمام بتطوير المنشآت الحيوية مثل الموانئ والمطار وإنجاز مشاريع الإسكان وتقليص فترة الانتظار للراغبين في الحصول على السكن بعد أن تجاوزت أعدادهم المئة ألف. الكهرباء تواجه مشكلات نتيجة زيادة أعداد المساكن والمباني وعدم إنجاز مشاريع التوسعة أو التطوير. وكذلك هناك مشكلات قد تواجه إمدادات المياه. هذه أعمال تنتظر الإنجاز من قبل الحكومة الجديدة. هذه لا شك مشكلات الأجل القصير ولا بد أن تظهر النتائج خلال شهور. 

الممارسات غير السوية وغير الناضجة من الأعضاء، لم تجد من يكبحها، وخصوصا أولئك الذين عاصروا الحياة النيابية لأمد طويل

أما تطوير النظام التعليمي والرعاية الصحية فلا بد من وضع استراتيجيات محددة واضحة المعالم بأقرب وقت ممكن. يتعين على الحكومة تفعيل المجلس الأعلى للتخطيط الذي انتهت مدته منذ سنوات دون أن يتعين أعضاؤه حتى الآن. أيضا لا بد من تعيين الوكلاء والوكلاء المساعدين في المواقع الشاغرة ، وكذلك الحال للمديرين والمسؤولين الآخرين في مختلف الوزارات والإدارات الحكومية.
الكويت يجب أن تتفاعل مع التوجهات السياسية القائمة في دول الخليج وتعتمد سياسات خارجية تتوافق بعلاقاتها الحيوية مع دول مجلس التعاون الخليجية والدول الحليفة ومنها الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي بما يوفر لها الأمن الإقليمي. ولا يمكن السماح بتمادي عدد من أعضاء مجلس الأمة وغيرهم من التطاول على الدول الشقيقة والصديقة بحجة دعم القضايا العربية والقضية الفلسطينية خاصة.

هذه القضايا تلتزم الحكومة الكويتية بتبنيها على أحسن وجه وليس هناك مجالات للمزايدة عليها. ويمكن لأي مراقب منصف أن يلحظ مدى الدعم الذي قدمته الكويت للقضية الفلسطينية وغيرها من قضايا عربية، سواء من خلال الدعم الإنساني أو المواقف في المحافل الدولية. يضاف إلى ذلك أن الكويت تواجه مشكلات إقليمية برزت مؤخرا مثل النزاع مع إيران بشأن استغلال حقل الدرة الغازي، والخلاف مع العراق بشأن تطبيق اتفاق الحدود البحرية في خور عبد الله. 
هذه القضايا الشائكة تتطلب الدعم من الأشقاء والحلفاء ولا يجب أن يكون هناك ما يعكر العلاقات معهم من قبل عناصر داخل الكويت بما فيهم أعضاء مجلس الأمة.

أمير البلاد حدد أربع سنوات لتعليق الحياة البرلمانية يتم خلالها دراسة مقترحات لتعديل الدستور ثم طرح الدستور على الشعب في استفتاء أو على مجلس أمة جديد منتخب. غني عن البيان أن الدستور الذي اعتُمد عام 1962- أي إنه مضى ما يزيد قليلا على الستة عقود منذ ذلك الحين- لا بد أن يعدل على ضوء التجارب والتطورات السياسية المحلية والعربية والدولية بما يحقق التطور في الحياة الديمقراطية. ويجب أن تنزع كل عوامل الكبح التي تعطل العمل الحكومي وتعدل المواد التي تحد من دور القطاع الخاص وتفعل الأدوات السياسية التي تضع حدا للعصبيات القبلية والطائفية في البلاد بما يرتقي بالانتماء الوطني. ويمكن أن يعتمد قانون للجماعات السياسية مبني على مفاهيم مدنية عصرية تلتزم بمرجعية واحدة وهي مرجعية الدستور والدولة المدنية.

الكويتيون الآن ينتظرون الإنجاز للمشاريع وتطوير الحياة السياسية ويأملون أن تتمكن اللجنة التي سوف يشكلها الأمير لمراجعة مواد الدستور والنظام السياسي في البلاد، وهم متفائلون بغد أفضل.

font change

مقالات ذات صلة