من يتحمل مهمة إعادة إعمار غزة؟

البناء الجدي يرتبط بحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني واحتمالاته ضئيلة حاليا

لانا جارنديت
لانا جارنديت

من يتحمل مهمة إعادة إعمار غزة؟

لا شك إن حجم الدمار في قطاع غزة بعد سبعة أشهر من الحرب هو الأسوأ على مستوى العالم منذ ما يقرب من ثمانية عقود، ولذلك فإنه يخلف عبئا هائلا من المتوقع أن تتحمل الدول العربية جزءا منه خلال عملية إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب.

في مؤتمر صحافي عقد في عمّان مطلع الشهر الجاري، قال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة عبد الله الدردري، إن "هذه مهمة لم يتعامل المجتمع الدولي مع مثيل لها منذ الحرب العالمية الثانية" عام 1945. والدردري هو واحد من المسؤولين الذين يرسمون صورة قاتمة جدا لغزة، التي يزداد مصيرها قتامة يوما بعد يوم، مع استمرار القصف اليومي العشوائي وسط محادثات السلام المتعثرة – التي تقودها مصر وقطر – من دون وجود رادع حقيقي للهجمات الإسرائيلية التي أدت حتى الآن إلى مقتل نحو 35 ألف فلسطيني.

40 مليار دولار لاعادة البناء

ويقدر الدردري أن القطاع قد يحتاج إلى 40 مليار دولار – أي ما يعادل تقريبا احتياطات مصر من العملات الأجنبية – لإعادة بنائه على مدار عقود. ويتمركز نحو 80 في المئة من الأضرار في محافظات غزة وشمال غزة وخان يونس. وتقدر تكلفة الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية الحيوية في القطاع بنحو 18.5 مليار دولار حتى يناير/كانون الثاني الماضي، وفقا للبيانات المجمعة من البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. وهذا يعادل 97 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لقطاع غزة والضفة الغربية مجتمعين في عام 2022.

لفهم مدى ضخامة الدمار، يبلغ طول جبهة القتال في أوكرانيا 600 ميل (نحو 965 كلم)، في حين أن غزة لا يزيد طولها على 25 ميلا (41 كيلومترا)

مونغو بيرش، رئيس برنامج دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في الأراضي الفلسطينية

ويقول تقرير للأمم المتحدة صدر في مايو/أيار إن الأنقاض الناجمة عن القصف تقدر بنحو 40 مليون طن في قطاع غزة، بما في ذلك 72 في المئة  من كل المباني السكنية التي دمرت جزئيا أو كليا.

وبحسب دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، فإن حجم الحطام في غزة يفوق حجمه في أوكرانيا التي تدور فيها حرب مع روسيا منذ فبراير/شباط 2022.

للمزيد إقرأ: اقتصاد غزة... 70 سنة للعودة إلى "7 أكتوبر"

وقال رئيس برنامج دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في الأراضي الفلسطينية مونغو بيرش: "لفهم مدى ضخامة الدمار، يبلغ طول جبهة القتال في أوكرانيا 600 ميل (نحو 965 كلم)، في حين أن غزة لا يزيد طولها على 25 ميلا (41 كيلومترا)".

رويترز
مباني جامعة الأقصى مدمرة بالكامل، مدينة غزة 28 أبريل 2024.

لا زراعة ومجاعة

تعرض القطاع الزراعي الحيوي في غزة لأضرار تقدر قيمتها بنحو 629 مليون دولار. وقال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إن تقييد السلطات الإسرائيلية وصول المساعدات الإنسانية، وضع شمال غزة أمام "مجاعة شاملة"، فيما تعاني أجزاء أخرى من القطاع من الجوع الشديد وسط شح الغذاء والماء والأدوية.

ونزح نحو 1.9 مليون شخص، أي أكثر من 85 في المئة  من سكان غزة. وأصبحت رفح، القريبة من الحدود المصرية، موطنا لنحو 1.5 مليون فلسطيني، 80 في المئة  منهم نزحوا من أجزاء أخرى من القطاع بسبب الاعتداءات الإسرائيلية.

إقرأ أيضا: ستة أشهر من الحرب... كيف تغيرت حياة الغزيين؟

وعلى الرغم من الاعتراضات العالمية، إلا أن إسرائيل عازمة على تنفيذ عملية توغل في رفح للقضاء على "حماس"، الأمر الذي سيؤدي بالتأكيد إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وزيادة الخسائر المادية. ولكنّ تطور الحالة المأسوية في القطاع المنكوب بالحرب على المدى الطويل، هو أمر لا يمكن لأي شخص توقعه.

إن التمهيد لإعادة إعمار غزة يجب أن يشمل العالم العربي، حيث أن القوى الإقليمية وحدها هي التي يمكنها إرساء أسس السلام المستدام

عماد جاد، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة

من الصعب الإجابة عن الأسئلة الرئيسة من خلال الوضع الراهن: متى تنتهي الحرب؟ وهل ستكون هناك ضمانات بعدم اندلاع أعمال العنف مرة أخرى بعد التوصل إلى اتفاق سلام؟ هل ستظل إسرائيل مصممة على القضاء على "حماس"؟ وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه "حماس" بعد الحرب – إن وجد؟ وهل سيتم الدفع بحل الدولتين كما يأمل المجتمع الدولي ظاهريا؟ وكم ستكون التكلفة الإجمالية للحرب؟ ما حجم الأموال التي ستُخصص عالميا لإعادة إعمار غزة؟ وكيف ستساهم الدول العربية في هذه العملية الطويلة والمعقدة؟

رويترز
بقايا مقر المجلس التشريعي الفلسطيني، و"أمركم شورى بينكم"، غزة في نوفمبر 2023.

وفقا لـعماد جاد، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة، فإن التمهيد لإعادة إعمار غزة يجب أن يشمل العالم العربي، حيث أن القوى الإقليمية وحدها هي التي يمكنها إرساء أسس السلام المستدام. وأضاف جاد: "سترعى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هذه الجهود، لكنها يجب أن تبدأ من الدول العربية".

التطبيع... ثم الإعمار

ويرى جاد إن تطبيع العلاقات مع إسرائيل في المنطقة وفقا لمبادرة السلام العربية لعام 2002 سيكون خطوة عملاقة نحو المرحلة التي يمكن أن تبدأ فيها الجهود العالمية لإعادة إعمار غزة. مع هذا، فإن تحقيق ذلك ليس بالأمر السهل.

فلعقود طويلة، كانت مصر والأردن الدولتين الوحيدتين اللتين تمتلك إسرائيل علاقات رسمية معهما في المنطقة. وعلى الرغم من إبرام اتفاقيات تطبيع بوساطة أميركية مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب في السنوات الأخيرة، إلا أنه لا يزال أمام الدولة اليهودية طريق طويل لتقطعه. 

وإلى جانب صراعه مع "حماس" في غزة، دخل الجيش الإسرائيلي في صراع مع "حزب الله" ــ الميليشيا الأقوى في الشرق الأوسط ــ في لبنان المجاور، فضلا عن مسلحين آخرين تدعمهم إيران في العراق وسوريا.

كما تسبب الحوثيون في اليمن في إحداث الفوضى من خلال هجمات المسيّرات والصواريخ التي استهدفت السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي. وتعهدت المجموعة، وهي أيضا مرتبطة بإيران، بتكثيف وتوسيع هجماتها أخيرا لاستهداف أي سفينة مرتبطة بإسرائيل ولو من بعيد.

طرد "حماس" من قطر في هذه المرحلة سيكون ضارا وربما يعرض المفاوضات في شأن وقف إطلاق النار أو صفقة تبادل الأسرى إلى الخطر

جيمس دورسي، المؤلف والزميل الأول في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية

وفي أبريل/نيسان الماضي، تعرضت إسرائيل للمرة الأولى لهجوم مباشر من إيران. ولم يسفر الهجوم الصاروخي، المعلن مسبقا، عن أي أضرار تقريبا بعدما تصدى له نظام الدفاع الإسرائيلي. واعتبر هذا الهجوم ردّا رمزيا على قصف مبنى القنصلية الإيرانية في سوريا في الشهر نفسه، لكنه لا يزال يثير المخاوف في شأن مواجهة كارثية شاملة بين إسرائيل وإيران.

وقال جاد إن تعزيز إسرائيل لعلاقاتها مع الخليج، خاصة من خلال إقامة علاقات ديبلوماسية، هو شرط أساس للتقدم نحو السلام الإقليمي المستدام، حتى لو استمر العداء مع أمثال سوريا ولبنان.

.أ.ف.ب
رجل يدفع دراجة هوائية، بينما يعبر أنقاض المباني في المنطقة المدمرة بالقرب من مستشفى الشفاء في غزة في 3 أبريل 2024.

لعبت قطر، وهي دولة أخرى من دول مجلس التعاون الخليجي لا تتمتع بعلاقات رسمية مع إسرائيل، دورا فعالا في المفاوضات الحالية، نظرا لاستضافتها قادة "حماس" منذ عام 2012. واتهم مسؤولون إسرائيليون من اليمين المتطرف أكثر من مرة الحكومة القطرية بتمكين الجماعة المسلحة خلال الصراع المستمر، وهو ادعاء تتجاهله الدوحة عندما ترد على إسرائيل.

وفي مارس/آذار الماضي، أفادت التقارير أن قطر هددت بطرد "حماس" إذا استمر المأزق من دون حل، وهي خطوة ضغطت من أجلها الولايات المتحدة بشكل علني. لكن جيمس دورسي، المؤلف والزميل الأول في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية، يستبعد هذا الاحتمال. لن تكون هذه الخطوة مفيدة لأي من الأطراف المعنية، بمن في ذلك القطريون الذين قال دورسي إنهم يرغبون في الحفاظ على نجاح وساطتهم التي استمرت لسنوات وسط علاقاتهم الوثيقة مع الولايات المتحدة.

إنفوغراف: غزة من مآسي الحصار إلى جحيم الحرب

وأشار دورسي إلى أن "طرد حماس من قطر في هذه المرحلة سيكون ضارا" وربما "يعرض المفاوضات في شأن وقف إطلاق النار أو صفقة تبادل الأسرى إلى الخطر"، إذا أصبح الوصول إلى قادة الجماعة أكثر صعوبة في أماكن أخرى. و"كانت الولايات المتحدة هي التي أرادت وجود "حماس" في قطر، ورضخت إسرائيل لذلك… إذ فهمت الولايات المتحدة أنها بحاجة إلى قناة خلفية، ولا أعتقد أن هذا الأمر تغير كليا".

لن ترغب الدول العربية في الدخول في أمر لا نهاية واضحة له، خوفا من رؤية ما يعاد إعماره مدمرا، سواء من الناحية السياسية أو في البنى التحتية، بسبب اندلاع جولات جديدة من القتال

جيمس دورسي، المؤلف والزميل الأول في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية

وأضاف دورسي أن الولايات المتحدة تدرك أنه من الممكن إضعاف "حماس" عسكريا أو من حيث البنية التحتية المدنية، ولكن القضاء عليها كليا أمر غير ممكن.

غزة بدون "حماس"

وقال جاد إن طرد "حماس" من غزة ينبغي أن يكون كافيا لكي توقف إسرائيل عدوانها، الأمر الذي من شأنه أن يمهد الطريق لاتفاق وقف إطلاق النار، وفي نهاية المطاف الاعتراف بالدولة الفلسطينية وإعادة إعمار غزة. وأضاف: "يجب أن تكون هناك ترتيبات مع الجانب الإسرائيلي لضمان أن ما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول لن يتكرر مرة أخرى".

وأشار إلى أن "وقف إطلاق النار الدائم للحكومة الإسرائيلية لا يمكن أن يحدث إلا في حالة واحدة، وهي خروج "حماس" من قطاع غزة، أو قيادتها العسكرية على الأقل". فإسرائيل "لن تتوقف طالما أن "حماس" تحكم القطاع" ولن تكون هناك ضمانات دولية. 

وقال إن إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح تمتد بغالبيتها على قطاع غزة والضفة الغربية على النحو المقترح في مؤتمر كامب ديفيد عام 2000 هو الطريق للمضي قدما وما يجب أن تسعى إليه الدول العربية.

وتعتبر منظمة التحرير الفلسطينية، بحسب جاد، بديلا معقولا لحركة "حماس" التي تصنفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وآخرون على أنها جماعة إرهابية.

ومن غير المرجع أن يكون الحكم المباشر في غزة "فلسطينيا بحتا" بحسب دروسي، الأمر الذي قد يدفع إلى تشكيل نوع من قوات حفظ السلام متعددة الأطراف بمشاركة الدول العربية.

وأضاف دروسي: "لن ترغب الدول العربية في الدخول في أمر لا نهاية واضحة له، خوفا من رؤية ما يعاد إعماره مدمرا، سواء من الناحية السياسية أو من ناحية البنى التحتية، بسبب اندلاع جولات جديدة من القتال". وقال: "إنهم سيرغبون في ربط هذا الأمر بعملية ذات صدقية لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يمكن لها النجاح. واحتمالات ذلك ضئيلة في الوقت الراهن".

font change

مقالات ذات صلة