كانت التصريحات التي أدلى بها رئيس الدبلوماسية الجزائرية أحمد عطاف، خلال لقاء جمعه بممثلي الصحف المحلية نهاية أبريل/نيسان الماضي بمقر وزارة الخارجية الجزائرية حول استمرار بقاء إرث يفغيني بريغوجين والذي يعرف باسم "فاغنر- منطقة الساحل الأفريقي" وبالتحديد في الحدود البرية المتاخمة للجزائر وفتح الملف للنقاش، كافية لتوحي بتعارض مصالح روسيا مع موقف الجزائر الرافض جملة وتفصيلا لكل شكل من أشكال التدخل الأجنبي في منطقة الساحل والصحراء، بذريعة مكافحة الإرهاب، وهي المقاربة التي أثبتت فشلا ذريعا حسبما أدلى به مؤخرا رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة. وفي خطوة هي الأولى من نوعها، جهر وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، عن "فتح بلاده رسميا ملف وجود قوات (فاغنر) خلف حدودها الجنوبية في منطقة الساحل الأفريقي مع روسيا"، وأوضح أنه "ناقش الأمر شخصيا مع نظيره الروسي سيرغي لافروف".
تساؤلات
وأعلن المسؤول الحكومي الجزائري عن التوجه نحو استحداث آلية مشتركة تضم دبلوماسيين وأمنيين برئاسة الأمين العام لوزارة الخارجية، برئاسة الأمين العام لوزارة الخارجية، لوناس مقرمان، عن الطرف الجزائري وميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية والمبعوث الشخصي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومن المرتقب أن تجتمع اللجنة الثنائية المكلفة بمتابعة وجود قوات "فاغنر" في الإقليم قريبا. وأثارت الخطوة نقاشا بين النخب السياسية والإعلامية، حول الدواعي والخلفيات والأهداف والتوقيت الإقليمي والدولي. وطرحت تساؤلات أيضا حول طريقة تعاطي الجانب الروسي مع التصادم المسجل في المواقف مع هذه الدولة الصديقة حسب الوصف الذي أطلقه عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمة ألقاها أمام منتدى "فالداي" الدولي في مدينة سوتشي الروسية؟ والسؤال الأكبر: ما الانعكاسات السلبية لـ"فاغنر" على مسارات الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل؟ وما هي التهديدات الإقليمية التي أصبحت تشكل خطرا على الأمن القومي للبلاد؟
عمل استباقي
ويمكن قراءة الخطوة الجزائرية كنوع من التأهب والعمل الاستباقي، ويقول في هذا السياق البروفيسور نور الصباح عكنوش، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بسكرة في حديثه لـ"المجلة" إن "فتح الجزائر لملف (فاغنر) يأتي في إطار سعيها لعدم استعمال الملف ضد مصالحها من طرف جهات أجنبية معادية لها في منطقة جيواستراتيجية حساسة بالنسبة لأمنها القومي لا سيما وأن النيجر ومالي تمثلان العمق الاستراتيجي للبلاد، كما أن صراع النفوذ بين القوى الدولية يشتد في الساحل في ظل تداخل مؤثرات خارجية وهو ما لا تقبلبه الجزائر".