نحو اتفاق دولي تاريخي يحمي العالم من الجوائح

التعاون والتكافل بين الدول لضمان الوقاية من أخطار الجائحة التالية

سارة جيروني كارنيفال
سارة جيروني كارنيفال

نحو اتفاق دولي تاريخي يحمي العالم من الجوائح

عملت دول العالم معا لأكثر من عامين من أجل تحقيق هدف تاريخي واحد يمتد عبر الأجيال، ألا وهو ضمان استعدادنا على نحو أفضل للجائحة المقبلة بالتعلم من الدروس المستخلصة مما حل من دمار بسبب "كوفيد-19".

في الوقت الذي تثير فيه النزاعات والسياسات والاقتصادات الدمار والشقاق والانقسام، وجدت الحكومات ذات السيادة وسيلة للعمل على نحو تعاوني لإبرام اتفاق عالمي جديد يهدف إلى حماية العالم من الطوارئ الناجمة عن الجوائح، التي لا مفر من حدوثها في المستقبل.

وقد أُطلق هذا الجهد الضروري، الذي يقوده مئات المفاوضين المكلفين من أكثر من 190 دولة، في أثناء الحدث الذي تسبب بأكبر دمار في حياتنا. وبناء على الإحصاءات الرسمية، أسفر "كوفيد-19" عن وفاة أكثر من 7 ملايين شخص. لكن من المرجح أن تكون الحصيلة الحقيقية أضعاف هذا الرقم. فالفيروس تسبب في إلحاق خسائر بالاقتصاد العالمي تقدر بالمليارات، إن لم يكن بالتريليونات. وألحقت الاضطرابات الاجتماعية- بدءا من فقدان الوظائف وصولا إلى إغلاق المدارس- أضرارا بالمجتمعات في كل أنحاء العالم.

لا يمكن أبدا السماح مرة أخرى بترك أفقر البلدان والمجتمعات في العالم في ذيل قائمة الانتظار، عندما يتعلق الأمر بإتاحة الأدوات المنقذة للحياة مثل اللقاحات

في ذروة هذه الكارثة، ومع ازدحام المستشفيات في كل أنحاء العالم بالمرضى الذين يتلقون الرعاية على أيدي العاملين الصحيين المُرهقين، اجتمع أكثر من عشرين من قادة العالم معا لتوجيه نداء عالمي يقولون فيه: "لن نسمح بذلك أبدا مرة أخرى".

تكافل المجتمعات

وقالوا إنه يجب أن لا يسمحوا أبدا بترك مجتمعاتهم وكل مجتمعات الدول الأخرى على هذا القدر من الضعف أمام أي جائحة أخرى. واتفقوا على أنه يتعين على الحكومات أن لا تمتنع مرة أخرى عن التعاون في تبادل المعلومات الحيوية والمعدات الطبية والأدوية. وشددوا على أنه لا يمكن أبدا السماح مرة أخرى بترك أفقر البلدان والمجتمعات في العالم في ذيل قائمة الانتظار عندما يتعلق الأمر بإتاحة الأدوات المنقذة للحياة مثل اللقاحات.

وقلنا آنذاك، وما زلنا نقول الآن، إن الإنصاف يجب أن يكون النبراس الذي نهتدي به.

أ.ب.
طفل صومالي يتلقى لقاح شلل الأطفال، في مركز المدينة لصحة الأم والطفل في مقديشو، الصومال

وقال رؤساء الدول ورؤساء الوزراء آنذاك إن ما كان مطلوبا هو اتفاق تاريخي يلزم الدول العمل معا، عبر الحدود، اعترافا بأن الفيروسات القاتلة لا تحترم الحدود التي نعيش داخلها، ولا لون بشرتنا، ولا كم الأموال الذي في حوزتنا.

وقد حفز ذلك الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية، البالغ عددها 194 دولة، على اتخاذ قرار ببذل جهدين بارزين بالتوازي: الشروع في التفاوض على أول اتفاق في شأن الجوائح للوقاية من الأوبئة والتأهب والتصدي لها، بالتزامن مع إدخال سلسلة من التعديلات المحددة الهدف في الوقت نفسه على اللوائح الصحية الدولية الحالية، التي تشكل القواعد العالمية التي تستخدمها البلدان للكشف عن طوارئ الصحة العامة والتحذير منها والتصدي لها.

وقد انطلق هذان الجهدان في وقت أدى فيه الانقسام الاجتماعي والسياسي والاستقطاب إلى إقامة حواجز تبدو غير قابلة للاختراق بين الكثير من دول العالم.

الأمن الصحي العالمي يقوى عندما يتحقق إنصاف حقيقي في مجال الصحة العالمية

ولكن بدلا من الخضوع لمثل هذه الحسابات الجيوسياسية، نجح هذان الجهدان اللذان قادتهما الحكومات في جنيف، في الجمع بين الدول لجعل العالم أكثر أمانا في مواجهة الجائحة التالية.

وتستمر المفاوضات في شأن هذين الجهدين الفائقي الأهمية خلال الأسبوع المقبل، ومن المقرر أن ينظر فيهما اجتماع "الصحة العالمية" السابع والسبعون في جنيف يوم 27 مايو/أيار المقبل.

نظم صحية تضمن الوقاية

ومع الاقتراب الشديد من خط النهاية، لم يسبق أن كانت الأخطار المحدقة بالعالم أعلى مما هي عليه الآن. ولا تزال هناك قضايا رئيسة يتعين إيجاد حل لها، وتتعلق أولاها بكيفية قيام الاتفاق في شأن الجوائح بضمان الإنصاف لجميع البلدان عندما يتعلق الأمر بجعلها مستعدة للوقاية من الجائحة التالية أو للتصدي لها. ويشكل "تفعيل" الإنصاف لازمة متكررة في أثناء المحادثات.

أ.ف.ب.

ويستلزم ذلك ضمان حصول الدول في الوقت المناسب على القدرات اللازمة لحماية عامليها الصحيين ومجتمعاتها المحلية من خطر الجوائح، حتى لا نشهد تكرارا لأوجه الإجحاف في الحصول على اللقاحات ووسائل التشخيص والعلاجات ومعدات الحماية الشخصية وغيرها من الأدوات الحيوية.

إقرأ أيضا: المحافظة على آمالنا في الصحة

ويعني تفعيل الإنصاف امتلاك كل الدول نظما صحية قوية لضمان الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها في المستقبل بطريقة جماعية، حيثما ظهرت. ويتوقف الأمن الصحي العالمي على ضمان عدم وجود حلقات ضعيفة في سلسلة الدفاع ضد المُمرضات التي يحتمل أن تتحول إلى جوائح، وللإنصاف في مجال الصحة العالمية أهمية بالغة في ضمان القوة لكل حلقة من حلقات هذه السلسلة.

وهذا ما يستلزم التعاون بين الدول لتبادل ما هو مطلوب، بدءا من المُمرضات ووسائل التشخيص، وصولا إلى المعلومات والموارد، للعمل معا على نحو أفضل لمنع تكرار الفظائع التي تسببت بها جائحة "كوفيد-19".

الاتفاق في شأن طوارىء الجوائح ليس مجرد قصاصة ورقية، بل هو في جوهره أداة منقذة للحياة

وهذا ما يستلزم التعاون بين الدول لتبادل ما هو مطلوب، بدءا من المُمرضات ووسائل التشخيص، وصولا إلى المعلومات والموارد، للعمل معا على نحو أفضل لمنع تكرار الفظائع التي تسببت بها جائحة "كوفيد-19".

وتتخذه القيادة السياسية، على أعلى المستويات في كل البلدان، سمة مميزة تضمن تعزيز التعاون العالمي، بدلا من القومية الضيقة، للتغلب على الفجوات التي واجهها العالم خلال الاستجابة لـ"كوفيد-19".

الوقاية من تهديد الجائحة التالية

ويوفر الاتفاق الأساس الذي سيُقام عليه النهج التعاوني الذي يمكن أن يتبعه العالم في المستقبل للوقاية من تهديد الجائحة التالية، وسوف يملأ الفجوة التي كشف سترها "كوفيد-19" في استعداد العالم للعمل معا وبفعالية لمنع انتشار الفيروسات المهددة للحياة. وهو يرتكز على الاعتراف بأنه لا يمكننا حقا تحقيق الأمن الصحي العالمي إلا عندما تزداد قوة كل بلد.

ويؤكد أن الأمن الصحي العالمي يقوى عندما يتحقق إنصاف حقيقي في مجال الصحة العالمية، ويذكرنا جميعا بأنه لا يوجد أحد في مأمن من فيروس يحتمل أن يتحول إلى جائحة إلا إذا أصبح الجميع آمنين. ومن شأن وجود اتفاق في شأن الجوائح أن يؤدي إلى تقوية وتأمين الإنصاف في مجال الصحة العالمية.

وليس الاتفاق في شأن الجوائح مجرد قصاصة ورقية. بل هو في جوهره أداة منقذة للحياة ستحدد كيفية تعامل البلدان بعضها مع بعض في شأن مجموعة واسعة من القضايا للتصدي للجائحة التالية.

فرصة فريدة للمسؤولية الدولية المشتركة، مع الاعتراف بأنه لا يمكن ترك أحد خلف الركب

وسيؤكد لجميع السكان أن دولتهم ذات السيادة قد توصلت إلى اتفاق مع كل الدول الأخرى للعمل معا على إنقاذ الأرواح وحماية الصحة وتجنب الاضطرابات غير الضرورية للمجتمعات والاقتصادات.

إقرا أيضا: تيدروس غيبرييسوس وفولكر تورك عبر "المجلة": آن أوان التوقف عن وضع الثروة قبل الصحة

وفي وقت يزخر بهذا القدر من الاحتكاك والتوتر في العالم، تم إحياء كل الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي لاغتنام هذه الفرصة الفريدة لجعل العالم في مأمن من الجوائح. ويتوافق ثقل هذه المسؤولية المشتركة مع الفوائد التي سيوفرها اتفاق قوي لصحة الجميع وأمنهم.

بعبارة أخرى، فإن الاتفاق في شأن الجوائح أداة منقذة للحياة، وكأنه جهاز لإزالة رجفان العالم. ويجب بناء هذه الأداة وإتاحتها لفائدة الجميع، مع الاعتراف بأنه لا يمكن ترك أحد خلف الركب. وعلينا جميعا أن نتفق على كيفية استخدامها وأن نلمّ بها. والأهم من ذلك أن عليه أن يعمل على حماية الصحة العالمية وتعزيزها عند الحاجة إليه، من أجل أحبائنا، صغارا وكبارا.

font change

مقالات ذات صلة