ليس من قبيل الصدفة، بكل تأكيد، أن يأتي التصعيد الأخير في النشاط العسكري الروسي حول مدينة خاركيف الأوكرانية ذات الأهمية الاستراتيجية في الوقت الذي يجري فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إصلاحا جذريا لحكومته الحربية.
وبينما قضى الزعماء الغربيون الأشهر القليلة الماضية مترددين بشأن حجم المساعدات التي ينبغي أن يقدموها لأوكرانيا لدعم حربها ضد موسكو، كان بوتين يعمل جاهدا لتحسين أداء القوات الروسية في ساحة المعركة. ولم يثنه الكثير من الانتكاسات المهينة خلال العامين الأولين من القتال، بما في ذلك استعادة القوات الأوكرانية خاركيف في سبتمبر/أيلول 2022، عن تصميمه– كما أوضح– على الخروج منتصرا من الصراع الأوكراني.
في الأشهر الأخيرة، تحول الاقتصاد الروسي إلى اقتصاد حرب، حيث قام مجمعها الصناعي العسكري بتكثيف إنتاج الذخائر والمعدات إلى مستويات لم تشهدها منذ زوال الاتحاد السوفياتي. في 31 مارس/آذار، بعد إعادة انتخابه لولاية خامسة، وقع الرئيس بوتين مرسوما لتجنيد 150 ألف مواطن روسي إضافي للخدمة العسكرية، وتوفير تعزيزات حاسمة لوحدات الخطوط الأمامية الروسية التي تكبدت خسائر فادحة على مدى العامين الماضيين.
التأخير في تسليم حزمة المساعدات الحيوية لأوكرانيا عزز احتمالية أن تكون للقوات الروسية اليد العليا في ساحة المعركة
وتقدر تقارير الاستخبارات الغربية أن القوات الروسية تكبدت ما يصل إلى 400 ألف ضحية وفقدت ما يقرب من نصف معداتها العسكرية. ولكن هذه التحديات الكبيرة لم تجعل بوتين يُظهِر أي علامة تشير إلى وقف ما يسمى "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا. بل إنه يبدو عازما– على العكس من ذلك– على تكثيف جهوده لتحقيق النصر. ويتجلى هذا التصميم في الهجوم الروسي الأخير في منطقة خاركيف شمال شرقي أوكرانيا، حيث تستغل موسكو التردد الغربي لتأكيد هيمنتها على ساحة المعركة.
وفيما يدعي الجيش الأوكراني أن الوضع في خاركيف "تحت السيطرة"، تتزايد المخاوف بين كبار الضباط الأوكرانيين من أن يكون التصعيد الأخير في النشاط العسكري الروسي الطلقة الافتتاحية لهجوم أكبر بكثير.
وفي حديثه للتلفزيون الأوكراني هذا الأسبوع، حذر الجنرال كيريلو بودانوف، رئيس وكالة المخابرات العسكرية الأوكرانية، من أن روسيا نشرت وحدات هجومية صغيرة بالقرب من منطقة سومي في أوكرانيا استعدادا لهجوم روسي آخر في الشمال.
وفي وقت قريب مضى، بدا الجنرال بودانوف متشائما في تصريح لصحيفة "نيويورك تايمز" حين قال إنه يتوقع الهجوم على سومي بمجرد استقرار الوضع في خاركيف، حيث تحاول روسيا تحويل الموارد الأوكرانية بعيدا عن أجزاء أخرى من خط المواجهة.
يأتي هذا التصعيد في النشاط العسكري الروسي في أوكرانيا بعد أشهر من المداولات بين الزعماء الغربيين، وخاصة في الولايات المتحدة، بشأن حجم المساعدات التي يتعين تقديمها لأوكرانيا. وكانت الموافقة على حزمة المساعدات المقترحة لكييف بقيمة 61 مليار دولار من قبل إدارة بايدن في نهاية العام الماضي قد تلكأت في دهاليز الكونغرس واستغرقت مناقشات مطولة ومثيرة للجدل بين الديمقراطيين والجمهوريين قبل إقرارها أخيرا. وقد سمح التأخير في تسليم حزمة المساعدات الحيوية هذه، والتي تشمل قذائف مدفعية أساسية وأنظمة دفاع جوي، للروس بإعادة تجميع صفوفهم، مما عزز احتمالية أن تكون للقوات الروسية اليد العليا في ساحة المعركة.
تعيين خبير اقتصادي وزيرا للدفاع يعكس تصميم بوتين على إبقاء الاقتصاد والمجتمع الروسي مواكبين للحرب
ولا يني رئيس حلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ يؤكد، كما فعل الشهر الماضي، على أنه "لم يفت الأوان بعد لكي تنتصر أوكرانيا"، سوى أن خبراء عسكريين آخرين يعتقدون أن التأخر في وصول الذخائر الجديدة إلى مواقع الخطوط الأمامية في أوكرانيا قد يكون في صالح موسكو. ويبدو أن الزعيم الروسي لا يضيع أي وقت في استغلال الارتباك داخل صفوف الغرب لتحويل الصراع لصالحه.
الجديد في الأمر هو تزامُن تكثيف القتال في شمال شرقي أوكرانيا مع إعادة تشكيل كبيرة للقيادة السياسية العليا في موسكو، حيث تم إعفاء سيرغي شويغو، وزير دفاع بوتين الذي خدم في منصبه لفترة طويلة، وتعيين أندريه بيلوسوف، وهو خبير اقتصادي رفيع في الكرملين. وجاء تعيين وزير الدفاع الجديد بعد أن واجه شويغو انتقادات بسبب عدم قدرته على التغلب على الجمود البيروقراطي الذي يقوض المجهود الحربي لموسكو.
ولكنّ لتعيين خبير اقتصادي وزيرا للدفاع بعدا آخر، فو يعكس تصميم بوتين على إبقاء الاقتصاد والمجتمع الروسي مواكبين للحرب، وهي الخطوة التي تشكل– كما يعتقد كثيرون– أهمية بالغة إذا كان له أن يحرز النصر في أوكرانيا في نهاية المطاف.