هذا الفيلم الذي صوره دوبيو خلال مدة لا تتجاوز الأسبوعين، هو أيضا فيلم عالق باسمه "الفصل الثاني"، أي الحدث الصاعد في السيناريو طوال مدة الفيلم، وعبر سينما تعي ذاتها وتنطلق لتقدم لنا فيلما يجسد الممثلون فيه أنفسهم بإيماءاتهم وتاريخهم ووجودهم الحقيقي في كوميديا لطيفة، من دون التخلِّي عن العمق الذي يتجسّد في تساؤلات مستقبل السينما بين اليوم - في موجة التصحيح السياسي- والغد، في الدور الذي سيلعبه الذكاء الاصطناعي في مسيرة ذلك الفن، مما يجعل الفيلم وجبة خفيفة لا تخلو من العمق والقيمة، بشكل أتاح له أن يكون الفيلم الأنسب لافتتاح مهرجان كهذا.
أما عن المنافسة الرئيسة على السعفة الذهبية، فقد افتتحها فيلم المخرجة الفرنسية أغاثا ريدنغرن، "ألماسة بريَّة"، وهو الفيلم الوحيد في المنافسة الرئيسة لمخرجة أو مخرج يقدم عمله الأول، مما يثير لدى كل قاصد للمهرجان فضولا عن أسباب اختيار تييري فريمو، المدير الفني للمهرجان، لهذا الفيلم بالذات.
يمكننا أن نعتبر هذا الفيلم "داردينيا" بامتياز - قياسا بسينما الأخوين داردين- يظهر ذلك في أسلوبه البصري وكاميراه المحمولة وشخصياته المتحركة. تدور أحداث الفيلم حول ليان، الفتاة ذات الـ19 ربيعا، الجريئة والغاضبة والمهووسة بالجمال، التي تسعى بإصرار إلى تحقيق ذاتها التي تتخيلها، ولا تتردد في اقتناص الفرص التي يمكن أن توصلها الى تحقيق ذلك الخيال، فتنضم إلى برنامج من برامج الواقع.
يجمع الفيلم العديد من الأساليب التي يمكن أن تستدعي إلى الأذهان روح سينما أندريا أرنولد وشون بيكر (وكلاهما يشارك في المنافسة هذا العام)، إلا أن الفيلم، وفي الوقت ذاته، باعتباره عملا نفسيا، يفتقر إلى أصالة أكبر، ولا يكفي غطاء "الواقعية الجديدة" الذي بات متكررا ليضفي عليه تلك الأصالة المفقودة، ولا تزال مخرجته بحاجة إلى طرق أكثر عمقا وأقل اعتمادا على الأساليب السهلة في الوصول إلى المستوى النفسي الذي سعت إليه في فيلمها للتعبير عن حالة الاحتراق المتصاعد في عوالم المؤثرين.
حضور سعودي
أما بالنسبة إلى الحضور السعودي في هذه الدورة، فإنه ليس كأي عام سابق، حيث تمكن الفيلم السعودي "نوره" للمخرج توفيق الزايدي من المشاركة في قسم "نظرة ما"، ليصبح بذلك أول فيلم سعودي يشارك رسميا في هذا المحفل العريق.
بهذا الفيلم، أصبحت المشاركة السعودية – وهي الخامسة- أنضج وأعمق، مما يعزز مكانتها ودورها الفاعل في هذا القطاع. يتجلى هذا من خلال حضور العديد من السينمائيين السعوديين في هذا المحفل، مسلطين الضوء على الثراء الثقافي والسينمائي في هذا المهرجان الذي يعتبر محطة سنوية رئيسة لتعزيز التواصل والتعاون بين صناع السينما من مختلف أنحاء العالم.
يأتي الحضور السعودي متمثلا في هيئة الأفلام، بالشراكة مع مجموعة من صناديق الدعم والمؤسسات الداعمة لصناعة السينما في المملكة والعالم العربي والعالم ككل، في إطار سعي المملكة لأن تصبح وجهة عالمية لصناعة الأفلام، مثل نيوم وفيلم العلا ومهرجان البحر الأحمر وصندوق التنمية الثقافي. تتضمن هذه الشراكة العديد من المحفزات، أبرزها استعادة نقدية تصل إلى 40% واستديوهات مجهزة، ودعم لوجستي يؤكد بنية تحتية سينمائية حقيقية تنطلق منها هذه الأعمال.
وأخيرا، تنظم المملكة ممثلة بهيئة الأفلام، عددا من الندوات الحوارية على هامش المهرجان، تتناول فيها أحدث تطورات القطاع، وسيتم من خلالها تناول عدد من المواضيع، أبرزها: "تجربة صناعة الأفلام في الأسواق الناشئة" التي يشارك فيها كل من المخرج الصومالي مو هراوي، الذي يحضر بفيلمه "القرية بجانب الجنة" في قسم "نظرة ما" هذا العام، والمخرجة الزامبية رونغانو نيوني وهي الأخرى يشارك فيلمها "على أن تصبح أوزية من غينيا" في القسم نفسه، والمنتجة الفيليبينية بيانكا بالبوينا التي يشارك فيلمها "مصنع فلبين" في الفئة الموازية "أسبوعا المخرجين"، والمخرج السعودي حمزة جمجوم ويحاورهم المنتج السعودي أيمن خوجة.