تنشر "المجلة" وثيقة أميركية بعنوان: "عواقب تقسيم فلسطين" أصدرتها "وكالة الاستخبارات المركزية" (سي آي إيه) يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1947، ورفعت عنها السرية.
صدرت الوثيقة، كما يدل عنوانها، قبل يوم واحد من التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على خطة تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية على النحو الذي أوصت به لجنة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بفلسطين (UNSCOP)، وتتناول الارتدادات المحتملة لقبول الأمم المتحدة بخطة تقسيم فلسطين على المنطقة وأهمها اندلاع القتال بين "العرب واليهود" وعدم قدرة اليهود على الصمود أكثر من عامين "دون مساعدات خارجية من حيث القدرات البشرية والمادية". فضلا عن تأثير ذلك كله على "هيبة" الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وخطورته المحتملة على العلاقات الأميركية العربية والعلاقات الأميركية السوفياتية.
و"تحتوي الوثيقة على معلومات تؤثر على الدفاع الوطني للولايات المتحدة وفقا لما هو مقرر في قانون التجسس، الفصول 31 و32 من القسم 50 من قانون الولايات المتحدة، بصيغته المعدلة. ويُحظر بموجب القانون نقلها أو الكشف عن محتوياتها بأي شكل من الأشكال إلى شخص غير مصرح له"، كما ورد في صفحتها الأولى.
وتتوقع الوثيقة أن تندلع الأعمال القتالية المسلحة بين اليهود والعرب إذا ما قبلت الجمعية العامة للأمم المتحدة خطة تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية. وتشير إلى أن "العرب في سوريا ولبنان والعراق والأردن ومصر والسعودية بالإضافة إلى فلسطين، وبدافع القومية والحماس الديني، مصممون على مقاومة أي قوة، أو مجموعة من القوى، تحاول إقامة دولة يهودية في فلسطين".
وتضيف: "في حين أنه ليس متوقعا من حكومات الدول العربية أن تعلن الحرب رسميا، فإنها لن تحاول منع شعوبها (خاصة القبائل المتعصبة) من الانضمام إلى المعركة، بل وربما تشجع مثل هذه الإجراءات وتقدم المساعدة بشكل سري أيضا".
وتتوقع أنه "من ناحية التنظيم، ستتفاوت القوات العربية بين الفرق شبه العسكرية المنظمة تنظيما جيدا نسبيا والتنظيمات القبلية الأقل تنظيما والمكونة من البدو. وعلى الأرجح سيكون أكبر عدد من العرب المشاركين بشكل فعال ضد اليهود في أي وقت بين 100 ألف و200 ألف شخص".
وتلفت إلى أن "الصهاينة، من جانبهم، مصممون على أن تكون لهم دولة في فلسطين، أو بحسب رأي العناصر المتطرفة، في فلسطين وشرق الأردن معا"، متوقعة أن "يتمكن اليهود من تجنيد نحو 200 ألف مقاتل في فلسطين، بالإضافة إلى مدّهم إلى حد ما بالمتطوعين والمجندين من الخارج".
وإذ تشير إلى أن الجماعات المسلحة اليهودية في فلسطين تتميز بعتادها الجيد وتدريبها الجيد على تكتيكات القوات الخاصة"، تؤكد أنه "من دون مساعدات خارجية كبيرة من حيث القوة البشرية والمادية، سيتعذر عليهم الصمود لأكثر من عامين".
وتعتبر الوثيقة أن "الولايات المتحدة بدعمها للتقسيم، فقدت الكثير من هيبتها في الشرق الأوسط"، وتضيف: "في حال فرض التقسيم على فلسطين، فإن الصراع الناتج عن ذلك سوف يزعزع بشكل خطير استقرار العالم العربي اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، وستتعرض مصالحنا التجارية والاستراتيجية للخطر الشديد". كما "سيزداد الفقر والاضطراب واليأس التي تزدهر عليها الدعاية الشيوعية في العالم العربي بأكمله، وسينتشر عملاء الاتحاد السوفياتي (بعضهم تم تهريبه بالفعل إلى فلسطين كلاجئين يهود) إلى الدول العربية الأخرى وسيحاولون تنظيم ما يسمى الحركات الديمقراطية مثل تلك الموجودة حاليا في اليونان"، وذلك بحسب الوثيقة نفسها.
وتعتبر أنه "إذا أوصت الأمم المتحدة بالتقسيم، فإنها ستكون ملزمة أخلاقيا باتخاذ خطوات لفرض التقسيم، مع قيام القوى الكبرى بدور أدوات التنفيذ"، مضيفة أنه "لا حاجة بنا للإشارة إلى الخطورة المحتملة لمثل هذا التطور على العلاقات الأميركية العربية والعلاقات الأميركية السوفياتية".
وفي الآتي مقتطفات رئيسة من نص الوثيقة كما جاءت في نسختها الأصلية:
1- المقدمة
في 1 سبتمبر/أيلول 1947، أنهت اللجنة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين (UNSCOP) تقريرها، وقد أوصى غالبية أعضائها بالتقسيم كأفضل حل لمشكلة فلسطين. وعلى الرغم من المعارضة العنيفة من جانب الدول العربية وإمكانية عدم حصول قرار التقسيم على أغلبية الثلثين اللازمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أنه لا شك في أن هذا النوع من الحل لمشكلة فلسطين قد تمت دراسته بجدية أكبر ولاقى قبولا عاما أكثر من أي حل آخر.
إذا قبلت الجمعية العامة للأمم المتحدة (التي تناقش الآن مشروع التقسيم) بتقسيم فلسطين بأغلبية الثلثين، فسينتج الوضع التالي:
أ. سيتم إنشاء دولة يهودية ذات سيادة، تشمل جزءا كبيرا من مساحة فلسطين.
ب. سيُسمح لعدد كبير من المهاجرين بالدخول إلى هذه الدولة اليهودية.
ج. سيعارض العرب، ليس فقط في فلسطين، بل في الشرق الأدنى كله، وبشدة كلتا الفقرتين (أ) و(ب) أعلاه، وستحدث صراعات مسلحة بين اليهود والعرب.
د. ستتوفر المساعدة في شكل رجال وأسلحة وإمدادات لكل من اليهود والعرب من خارج فلسطين.
ه. لن تقوم الأمم المتحدة على الفور بتنظيم قوة شرطة دولية للحفاظ على السلام في فلسطين.
بناء على هذه الافتراضات، يجب الإجابة على ثلاثة أسئلة:
أ. كيف سيتطور الصراع العربي اليهودي، وما هي النتائج المترتبة عن ذلك؟
ب. كيف سيتأثر استقرار الشرق الأوسط؟
ج. كيف ستتأثر المصالح الاستراتيجية والتجارية الأميركية؟
وللإجابة على هذه الأسئلة، لا بد من دراسة للوضع السياسي الناتج عن التقسيم والتطورات العسكرية التي قد تنشأ عن ذلك الوضع.