للوهلة الأولى، يبدو الاقتصاد العالمي مرناً في شكل مطمئن. تزدهر أميركا حتى مع تصاعد حربها التجارية مع الصين. وتصمد ألمانيا أمام فقدان إمدادات الغاز الروسية من دون أن تعاني من كارثة اقتصادية. ولا تتسبب الحرب في الشرق الأوسط بأي صدمة نفطية. وبالكاد يؤثّر المتمردون الحوثيون الذين يطلقون الصواريخ في التدفق العالمي للبضائع. أما التجارة، محتسبةً كحصة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فتنتعش بعد الركود الذي تسبّبت به جائحة "كوفيد-19"، ومن المتوقع أن تنمو في شكل صحي هذه السنة.
لكن نظرة أعمق في الاقتصاد العالمي تكشف الهشاشة. منذ سنوات، في مقدور الأثر الذي تسبب به انهيار المعايير في الاقتصاد أن يكون سريعاً وكارثيا، حتى لو لم يصل الأمر أبدا إلى نزاع.
خلال كتابة هذه السطور، يتضح تفكك النظام القديم في كل مكان. فقد قفز استخدام العقوبات بمعدل أربعة أضعاف، مقارنة بما كان عليه خلال تسعينات القرن العشرين. وفرضت أميركا أخيراً عقوبات "ثانوية" على الجهات التي تدعم الجيوش الروسية. والآن تدور حرب في مجال الإعانات، إذ تسعى البلدان إلى استنساخ دعم الصين وأميركا الضخم للتصنيع الأخضر. وعلى الرغم من أن الدولار لا يزال مهيمناً، وأن الاقتصادات الناشئة لا تزال أكثر مرونة، فإن تدفقات رأس المال العالمية تبدأ بالتفكك، وفق ما يوضح تقريرنا الخاص.