وسيتطلب ذلك متابعة الأهداف المباشرة التالية بطريقة متزامنة:
أولا، التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى سكان القطاع دون عوائق، وبدء جهد دولي لإعادة إعمار القطاع.
ثانيا، إنهاء التدخل العسكري الإسرائيلي في غزة وتقليصه بشدة في الضفة الغربية.
ثالثا، بذل الجهود الحثيثة في كافة المحافل الدولية، خاصة من بينها تلك التي تهتم بحقوق الإنسان، لزيادة الضغوط الدولية على إسرائيل لإقناعها بتغيير سياساتها تجاه الفلسطينيين.
رابعا، استمرار بذل الجهود الحثيثة من أجل الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية وقبولها الكامل في الأمم المتحدة. ومن المفيد في هذا المجال تذكر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة صوتت قبل أيام بأغلبية ساحقة مكونة من 143 دولة لصالح الدولة الفلسطينية. وينبغي البناء على ذلك في مجلس الأمن وعلى المستوى الثنائي لحمل المزيد من الدول على اتخاذ إجراءات ملموسة للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
الدخان يتصاعد بعد انفجار في شمال غزة، في خضم الصراع الدائر بين إسرائيل وحركة حماس الإسلامية الفلسطينية، كما يظهر من إسرائيل، 12 مايو/أيار 2024.
وفي السعي لتحقيق هذه الأهداف، من المهم الاستفادة من الموقف الذي اتخذته محكمة العدل الدولية بشأن التدابير المؤقتة، وهناك حجة قانونية قوية– تستند إلى أسبقية حكم محكمة العدل الدولية لعام 1996 في قضية "البوسنة ضد صربيا"، التي تؤكد أن "على الدول الالتزام بالتأثير بشكل فعال على تصرفات الأشخاص الذين يحتمل أن يرتكبوا، أو ارتكبوا بالفعل، أعمال إبادة جماعية"، وهو ما يفرض في هذه الحالة التزامات أكثر صرامة على الدول التي تقدم المساعدة المالية والاستخباراتية والعسكرية لإسرائيل الهمجية على قطاع غزة. بالإضافة إلى ذلك، سيكون من الأسهل تركيز الاهتمام الدولي على الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين.
وفي حين تظل القضية الفلسطينية مصدر قلق رئيس للكثير من الدول العربية، فإنها ليست الأزمة الوحيدة التي تتطلب الاهتمام، فثمة دول عربية أخرى تواجه تحديات كبيرة مثل سوريا ولبنان وليبيا والسودان والصومال واليمن والصحراء الغربية. ومن الأهمية بمكان أن تشارك هذه الدول بشكل استباقي في الجهود الرامية إلى توجيه هذه الصراعات نحو الحل.
ومع ذلك، فمن الضروري أن ندرك أن الدول العربية لا يمكنها الاعتماد فقط على القوى الخارجية لحل قضاياها.
صحيح أنه لا يمكن حل أي من هذه المشاكل دون التعامل مع القوى الأجنبية. لكن الزمن أثبت أنه من دون أن يأخذ العرب زمام المبادرة، فإن القوى الخارجية قد تقوم القوى الخارجية ببساطة بإدارة هذه الصراعات لمنع التصعيد، كما رأينا في غزة، بدلا من البحث عن حلول شاملة.
يجب على الدول العربية الاستفادة من جميع الأدوات المتاحة، بما في ذلك نفوذها الاقتصادي، لإدارة تفاعلاتها مع الجهات الفاعلة العالمية الرئيسة بشكل فعال. ومع ذلك، فإن معالجة هذه الصراعات بشكل مستقل لن تكون كافية لتحقيق السلام والاستقرار الدائمين. إن مثل هذه النتائج لن تكون ممكنة إلا من خلال جهد عربي موحد لتطوير إطار أمني إقليمي. وهناك حاجة ملحة لأن تقوم الدول العربية بصياغة هذه الرؤية الجماعية وتنفيذها.
وفي هذا السياق، من المهم معرفة وجهات النظر المختلفة حول ما يشكل ترتيبا أمنيا مناسبا للمنطقة. على سبيل المثال، أطلقت إسرائيل والولايات المتحدة "منتدى النقب" كوسيلة لإقامة تحالف سياسي عسكري يهدف إلى تنسيق التعاون الإقليمي لمواجهة إيران. وقد تم الاستشهاد بالتوترات الأخيرة بين إيران وإسرائيل لتبرير جاذبية هذا النهج.
ومن وجهة نظري فإن الوضع يوحي بنتيجة معاكسة. وتؤكد الأزمة في غزة وردود أفعال كل من إسرائيل وإيران على الحاجة إلى استراتيجية مختلفة.
أولا، أكدت الأزمة المستمرة في غزة بشكل لا لبس فيه على أهمية القضية الفلسطينية باعتبارها المسألة المركزية التي تجتمع حولها المصالح الجماعية العربية، وهو الشعور الذي عززته قمة جدة. ثانيا، أصبح التزام إسرائيل بتعزيز قدرات الردع لديها شديد الوضوح، حتى ولو أثر ذلك في رفع التوتر في العلاقات مع دول مثل مصر والأردن، اللتين أبرمتا معها معاهدتين للسلام. ثالثا، إن التحديات التي تواجه الأمن العربي والتي تفرضها كل من إسرائيل وإيران تسلط الضوء على نقاط الضعف الأمنية الإقليمية الأوسع. رابعا، لاحظت الدول العربية أنها لا تستطيع الاعتماد فقط على القوى الخارجية لضمان أمنها، كما يتضح من ردود الفعل المتناقضة للولايات المتحدة لاحتياجات إسرائيل بعد 7 أكتوبر وتقاعسها النسبي خلال هجوم عام 2019 على منشآت النفط السعودية.