"آخر سهرة في طريق ر" لمحمود الصباغ: قصة جذابة وشخصيات فاترةhttps://www.majalla.com/node/316646/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%A2%D8%AE%D8%B1-%D8%B3%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%B1-%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%A8%D8%A7%D8%BA-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%AC%D8%B0%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D9%88%D8%B4%D8%AE%D8%B5%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D8%A7%D8%AA%D8%B1%D8%A9
"آخر سهرة في طريق ر" هو آخر أفلام المخرج والكاتب محمود الصباغ، الذي اقتحم الساحة مبكرا في 2016 بفيلم "بركة يقابل بركة" الذي أثار ضجة في الأوساط الفنية والثقافية السعودية. وقد بدأ عرض الفيلم الجديد في صالات السينما وهو من بطولة عبدالله البراق ومروة سالم، وتدور أحداثه خلال ليلة واحدة وتتبع فرقة أغان شعبية للمناسبات تعاني في ظل التغيرات الجذرية التي أصابت المشهد الفني السعودي. بعدما كان المجتمع يتسابق على حجز فرق الأغاني الشعبية في السابق، توسعت دائرة الأذواق وأصبحت تشمل أنواعا جديدة من الفنون لا يمكن حصرها في نمط بعينه.
مع كل تغيير في أي اتجاه كان، هناك من يبقى في الخلف متأخرا عن الجميع. أبو معجب بطل الفيلم (عبدالله البراق) وفرقته المكونة من مطربة وعازف عود أعمى ورجل كبير في السن لم تبقِ المخدرات شيئا من عقله، يعتبر من أواخر مقاومي هذا التيار الفني الجديد والجامح. بينما تسيطر الأغاني الأجنبية على الحفلات الجديدة، هو يقدم فنا شعبيا، يتم حجز الفرق الفنية من طريق البريد الإلكتروني أو رسائل "واتساب"، هو ينتظر رنين جهاز الإرسال المرتبط بسيارته، يتقاضى الفنانون أجورهم من طريق التحويلات البنكية، وهو يصر على أن يقبض أجره نقدا. لكن برغم رفضه القاطع للتغيير، هو وفرقته لا يعدّان سوى حجر عثرة ضئيل الحجم أمام ضخامة موجة الانفتاح الجديدة.
عمل شخصي
هذه القصة الفريدة، من الواضح أنها عمل شخصي لمحمود الصباغ، فقد تحدث عن اهتمامه بتسليط الضوء على نوع من الشخصيات المهمشة التي لم يعتد عليها المشاهد كأبطال لقصتها. حينما نفكر ببطل قصة كلاسيكي، نحن نشاهد بطلا يشكل ظروفه بنفسه ويحاول أن يقهر الصعاب حتى يصل إلى هدف بعيد وشبه مستحيل، ولكن من خلال العزيمة والإصرار يمكن تذليل الصعاب وتخطيها. حالة أبو معجب مختلفة تماما، فهو أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يتأقلم مع هذا التغيير ويعتنق الحداثة المسيطرة على الساحة الفنية التي اعتاد عليها، أو أن يجد مهنة أخرى.
بعدما كان المجتمع يتسابق على حجز فرق الأغاني الشعبية في السابق، توسعت دائرة الأذواق وأصبحت تشمل أنواعا جديدة من الفنون
نجح فريق الإنتاج في خلق عالم فانتازي وفريد نوعا ما، هناك اهتمام منعش بالتفاصيل التي تنقل المشاهد إلى عالم الفيلم. سيارة الفرقة الغارقة بالتفاصيل الصغيرة، الآلات الموسيقية الكلاسيكية التي تحتاج إلى عناية فريدة من سيلفر مهندس الصوت الذي لا يتقن شيئا سوى هندسة الصوت، وتصوير معظم مشاهد الفيلم في الليل، حيث لا نرى ضوء الشمس إلا في آخر الفيلم بعد نهاية الرحلة وتغير شكل الفرقة ومستقبل الشخصيات إلى الأبد.
أعتقد أن الفيلم واجه تحديا حقيقيا في خلق نص مناسب لقصة الشخصيات، فهناك اختلال توازن واضح بين الواقع الكئيب الذي يعيشه أبطال الفيلم وبين الحوار المكتوب، ولا أعني بذلك المشاهد الكوميدية التي يقدمها الفيلم من فترة إلى أخرى، بل إن نوعية الحوارات المكتوبة لا تعطي مساحة لتصديق ما تمر به الشخصيات من صعوبات. فعلى الرغم من الجهد الذي بذله فريق الإنتاج لاختيار مواقع تصوير وتصميم الديكورات، إلا أنه عندما يصل الأمر إلى التفاعل مع الشخصيات لا نستشعر المعاناة التي يريدنا الفيلم أن نشعر بها، على النقيض من ذلك، ندرك تماما أننا أمام قصة خيالية لا تنجح في جرّنا إلى التفاعل أو التعاطف معها.
ربما يكون الفيلم، وفي محاولة لتعزيز فكرة أن أبطاله يشكلون فرقة شعبية، قد بالغ في الحوارات الرنانة والحكم والأمثال التي استمر بترديدها أبو معجب تحديدا. بالتالي، فقدت الشخصيات كل نبرة إخلاص لفكرة الفيلم، كما فقدت الحسّ الواقعي وأصبحت مجرد قوالب مكتوبة مسبقا يمكن تركيبها على أي شخصية أخرى. نحن لسنا أمام أبو معجب رئيس الفرقة الشعبية الذي يصارع تغيرات الزمن القاسية، بل أمام شخص يكرر المقولات الرنانة التي كتبت له ويرتدي الأزياء المصممة له، دون أي عمق حقيقي للشخصية. وهكذا لا يعود أبو معجب وأفراد فرقته شخصيات مثيرة للاهتمام، بقدر ما يصبحون نسخا أولية من شخصيات مثيرة للاهتمام.
عندما يصل الأمر إلى التفاعل مع الشخصيات لا نستشعر المعاناة التي يريدنا الفيلم أن نشعر بها
أداء الممثل عبدالله البراق جاء مسرحيا على نحو مبالغ به، ولم يساهم في إضافة أي عمق لشخصيته، ولعلّ الحوارات المكتوبة لم تساعده إطلاقا في إيجاد صوته الخاص. فقد ظلّ في صراع ما بين إتقان الحوار المكتوب ومحاولة كسب اهتمام المشاهدين وتعاطفهم مع شخصية ظلت دون أن تبلغ مستوى التعاطف. هذه العيوب سلطت ضوءا أكبر على مشكلة الفيلم الرئيسة، وهي أنه في أثناء محاولة تقديم عمل ممتع، فشل في خلق شخصيات محبوبة يمكن أن تكسب تعاطف المشاهدين. بينما على الجهة الأخرى، تعدّ مروة سالم إحدى إيجابيات الفيلم، ولا ريب في أن ما ساعدها على ذلك هو بساطة الحوارات المكتوبة لها مما أتاح لها تبسيط الشخصية وإخراجها من القالب المسرحي المحيط بها.
إن أكثر ما كان يمكن أن يستفيد منه فيلم "آخر سهرة في طريق ر"، هو تقليل الثيمات وتبسيط الحوارات، لأن القصة مبدئيا مثيرة للاهتمام. فمسألة مقاومة التغيير قابلة للتعاطف ضمن أي سياق، فهذه المقاومة طبيعة بشرية، لكن وضع هذه الفكرة المباشرة والبسيطة تحت أكوام من التكلف الفني أضعف تأثيرها وأفقد الشخصيات جاذبيتها.