يُختصر التغيير في قمة وزارة الدفاع الروسية بجملة واحدة: على العسكريين الاقتداء بالاقتصاديين. فتعيين أندريه بيلوسوف النائب السابق لرئيس الحكومة منذ 2020 ومستشار الرئيس فلاديمير بوتين للشؤون الاقتصادية، يُعلن من دون لبس أن الإنجازات التي حققها الاقتصاد الروسي في تجاوزه العقوبات الغربية الضخمة المفروضة منذ 2014، سنة اجتياح القرم، والتي رمت إلى إصابة الاقتصاد الروسي بالشلل بعد بدء اجتياح أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، ينبغي أن تكون نموذجا لما يجب أن يسير الجيش عليه.
هذا ما قاله، وإن بكلمات منمقة ومنتقاة، المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الذي أشار عند إعلانه عن التغييرات التي يجريها الرئيس فلاديمير بوتين في مستهل ولايته الرئاسية الجديدة، إلى أن الكرملين يريد تعيين رجل اقتصاد في وزارة الدفاع بعدما بلغت ميزانية الوزارة 6.6 في المئة من إجمالي الناتج المحلي لروسيا. وأن تعيين مدني في منصب وزير الدفاع يهدف إلى التأكيد على التجديد، بعدما بلغ الوضع حدا قريبا مما كان عليه في الثمانينات من القرن الماضي عندما أصبح الإنفاق على الدفاع يشكل 4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للاتحاد السوفياتي يومها.
يتعين هنا إبداء ملاحظتين: الأولى أن الفريق الاقتصادي الروسي بقيادة رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين، وخصوصا حاكمة المصرف المركزي إلفيرا نبيولينا، وبيلوسوف بطبيعة الحال، قد حقق إنجازا يكاد يكون تاريخيا بالالتفاف على موجات العقوبات المتلاطمة التي أطلقها الغرب على موسكو منذ بدء الحرب على أوكرانيا. المراقبون الغربيون، مثلهم مثل "زورا" محلات التجزئة في المدن الروسية، لا يخفون دهشتهم من قدرة موسكو على توفير كل المواد الاستهلاكية حتى غير الأساسية منها، وتماسك الاقتصاد الكلي من خلال سلسلة من الإجراءات والتحالفات الاقتصادية مع الهند والصين وعشرات الدول الآسيوية والأفريقية والأميركية الجنوبية، بحيث ظل تدفق صادرات الطاقة الروسية على حاله تقريبا رغم المقاطعة الغربية والحواجز التي أخرجت النظام المصرفي الروسي من الساحة العالمية.
الملاحظة الثانية أن المجيء بخبير اقتصادي لتولي وزارة الدفاع ليس بالأمر الجديد في روسيا. فقد سبق أن احتل أناتولي سيرديوكوف منصب وزير الدفاع بين 2007 و2012 وباشر برنامج إصلاحات جذرية في الجيش الروسي لم ترُق لكبار الضباط الذين اشتكوا من تزايد الاتهامات لهم بالفساد، فكان أن أبعد الرجل إلى قطاع دفاعي آخر هو شركة "روستيك" التي تهتم باستيراد وتطوير التكنولوجيا العسكرية المتقدمة والتي تخضع منذ 2014 لعقوبات أميركية وأوروبية بسبب دورها في تأمين المكونات الإلكترونية لكثير من الأسلحة الروسية المتطورة.
يضاف إلى ذلك، أن شويغو ذاته، وإن ارتدى غالبا الزي العسكري، لم يكن عسكريا بالمعنى التقليدي. فالوزير السابق الآتي إلى دوائر السلطة في موسكو بعد تجربة في الإنشاءات الهندسية أثناء الحكم السوفياتي والذي قربه الرئيس الأسبق بوريس يلتسين منه نظرا لتشاركهما في الخبرة المهنية ذاتها وعينه على رأس جهاز الدفاع المدني الذي كان يعمل وفق آليات العمل العسكرية السوفياتية، حصل على رتبته العسكرية من الجهاز المذكور الذي ساعده أيضا على بناء علاقات مع المؤسسة العسكرية الروسية.