إسرائيل في الذكرى 76... أسئلة كبرى بالداخل والخارجhttps://www.majalla.com/node/316611/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%89-76-%D8%A3%D8%B3%D8%A6%D9%84%D8%A9-%D9%83%D8%A8%D8%B1%D9%89-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D8%AE%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC
في الأيام الأولى للحرب التي اندلعت يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الصراع القادم بأنه "حرب استقلال ثانية"، في إشارة إلى الحرب العربية الإسرائيلية الأولى التي اندلعت بعد ساعات من إعلان إسرائيل استقلالها. وفي خطاب يذكرنا بخطابات ونستون تشرشل في زمن الحرب، أعلن نتنياهو أن إسرائيل سوف تشارك في القتال "في البر والبحر والجو"، وأكد عزمه على تحقيق "النصر الكامل".
ويمكن تنحية هذا الخطاب باعتباره نموذجا لذوق نتنياهو الدرامي، إلا أننا لا يمكن تنحية الشعور العميق بالتهديد الوجودي الذي يشعر به كثيرون في إسرائيل. وبالنسبة للمراقبين الخارجيين، كانت هجمات 7 أكتوبر هائلة وغير مسبوقة، إلا أنهم لم يروا فيها تهديدا لوجود إسرائيل ذاته. لقد كسرت "حماس" شعور إسرائيل بالأمن، ولكن خطر هزيمة إسرائيل الحقيقية لم يكن متصورا على الإطلاق.
أما بالنسبة للإسرائيليين، فقد بدا ذلك الاحتمال ممكنا تماما، بعد أن اقتحم مقاتلو "حماس" البلدات والمجتمعات الحدودية، ودخلوا البيوت واحدا تلو الآخر ليقتلوا ويشوهوا. وبالتأكيد، ليس هناك خوف وجودي أعمق من الخوف من رؤية منزلك يتعرض للغزو. ولقد كان ذلك الخوف الغريزي هو على وجه التحديد ما سعت "حماس" إلى إشعاله عندما اخترقت الحدود وغزت الكثير من البلدات الإسرائيلية- وبعضها كان آخر معاقل معسكر السلام الإسرائيلي- وهي تصور الفظائع التي ترتكبها لبث الرعب.
إذا اندلعت مواجهة واسعة النطاق مع إيران، فسوف تشارك إسرائيل في عمليات كبيرة في جميع أنحاء المنطقة
وقلْ الشيء نفسه، وإن بدرجة أقل، عن الأزمة الحالية التي تواجهها إسرائيل مع إيران. لقد قامت الجمهورية الإسلامية ببناء "حلقة من النار" حول إسرائيل، فحاصرت البلاد بوكلاء مثل "حزب الله" والحوثيين والميليشيات الشيعية العراقية. ونجحت- من خلال استخدام القتال ضد إسرائيل- أن تبدو كقوة إقليمية تدافع ظاهريا عن القضية الفلسطينية، رغم أن تصرفاتها غالبا ما تعكس أهدافا جيوسياسية أوسع وليس المصالح الفلسطينية، التي تمثلها بشكل أفضل دول أخرى في المنطقة.
ويمكن أن يبدو نظام "الجمهورية الإسلامية" للملأ وكأنه يحكم الخناق ببطء حول إسرائيل، على الرغم من نقاط الضعف الكثيرة التي تعاني منها إيران، بما في ذلك كون النظام نفسه مكروها من قبل معظم الإيرانيين.
وسط الاستياء الداخلي، تواصل إيران ممارسة الضغط على إسرائيل، وكان أفضل تجلٍ لهذا الضغط الهجوم الكبير الأخير ليلة 13-14 أبريل/نيسان، عندما أطلقت إيران أكثر من 300 صاروخ وطائرة دون طيار، فيما يبدو وكأنه رغبة من ملالي طهران بتأكيد الثقة في نفوذهم الإقليمي، معتمدين على مخاطرة محسوبة بأن إسرائيل قد تتردد في الرد بشكل حاسم بسبب تمددها عبر جبهات متعددة.
إذا اندلعت مواجهة واسعة النطاق مع إيران، فسوف تشارك إسرائيل في عمليات كبيرة في جميع أنحاء المنطقة، من لبنان إلى سوريا والعراق وإيران. ولسوف يكون في ذلك تذكرة للمواطن الإسرائيلي العادي بالعقود الأولى من وجود إسرائيل، عندما كانت البلاد تواجه صراعات على كافة الجبهات، الأمر الذي يعيد مرة أخرى هذا "الخوف الوجودي" الذي عاد إلى الظهور في السابع من أكتوبر.
علاوة على ذلك، فإن احتمال قيام إيران بتطوير قدراتها النووية يشكل مصدر قلق كبير يتضافر مع تهديدات طهران الطويلة الأمد ضد وجود إسرائيل، ما يزيد من حدة التصور السائد بين الإسرائيليين بأن أمتهم منخرطة في صراع من أجل البقاء. وقد سلط الضوء على ذلك مسؤول رفيع المستوى في "الحرس الثوري" الإيراني، حين حذر من أن إيران قد "تراجع عقيدتها النووية" إذا هاجمت إسرائيل برنامجها النووي.
يمكن لتداعيات هجمات 7 أكتوبر أن توجه الإسرائيليين والفلسطينيين نحو صراع متصاعد أو أن تعيد إحياء حركة السلام المتضائلة على كلا الجانبين
لقد كان الخوف الوجودي والقوة الاستثنائية وجهين لعملة واحدة في معظم تاريخ إسرائيل، وفي ذلك، قالت رئيسة وزراء إسرائيل السابقة غولدا مائير ببلاغة: "إن أفضل أسلحتنا هو أنه ليس لدينا مكان نذهب إليه". لقد بنيت النفسية الإسرائيلية على هذه الفكرة، وهي أن وجودها نفسه كان على الدوام مهددا، وبقاءها ليس أمرا محسوما بالبديهة أبدا. وقد لخص أحد المؤسسين الأيديولوجيين لمعسكر اليمين الإسرائيلي زئيف جابوتنسكي هذه الفكرة عندما تحدث عن "جدار النار"، أو "الجدار الحديدي" الذي يتعين على إسرائيل أن تقيمه من أجل البقاء في منطقة معادية.
ومع ذلك، فقد تطورت إسرائيل أيضا بعد هذه المرحلة، فهي لم تعد دولة معزولة عن المنطقة، على الأقل لم تكن كذلك في السادس من أكتوبر. إن الرد كما لو أن وجود إسرائيل على المحك دائما يحرم إسرائيل من سلوك سياسات أخرى قد تكون أكثر ذكاء على المدى الطويل أو حتى القريب.
لمعالجة الخوف الوجودي لا بد من شيء واحد، وشيء واحد فقط: النصر. إذا كان الأمر مسألة حياة أو موت، فلا بد إذن من سحق الأعداء. هذا هو الإطار الذي وضع فيه نتنياهو الحملة الإسرائيلية التي أعقبت هجوم 7 أكتوبر المروع. وقد وعد مرارا وتكرارا بما يسميه "النصر الكامل" ضد "حماس". وحتى من دون النظر إلى الوضع في غزة، نادرا ما يتحقق "النصر" الذي يسعى إليه نتنياهو. في التاريخ الحديث، نادرا ما كانت القوة العسكرية وحدها كافية لإنهاء الصراعات، وقصة الصراعات الأخيرة تسلط الضوء بوضوح على أن مفهوم النصر في حد ذاته أصبح وهما بعيد المنال. ولا يوجد حل عسكري دون حل سياسي.
لا يزال من المبكر للغاية معرفة إلى أين ستسير الأمور. يمكن لتداعيات هجمات 7 أكتوبر أن توجه الإسرائيليين والفلسطينيين نحو صراع متصاعد أو أن تعيد إحياء حركة السلام المتضائلة على كلا الجانبين. وسيعتمد المسار المستقبلي بشكل كبير على التصورات التي شكلتها موجة العنف الأخيرة. فإذا ظل الإسرائيليون متمسكين بالاعتقاد بأن مجرد عملية عسكرية أخرى- مثل التدخل في رفح- يمكن أن تضمن لها النصر المبين، فإنهم يخاطرون بإغفال الجوانب الحاسمة من الصراع. وبالمثل، إذا تمسك الفلسطينيون بفكرة أن نسخة أكثر فعالية من هجمات 7 أكتوبر يمكن أن تهزم إسرائيل بشكل حاسم، فسيكررون الأخطاء التاريخية نفسها.
قد لا يكون التحدي الرئيس الذي يواجه إسرائيل مع اقتراب الذكرى السادسة والسبعين لتأسيسها هو الأزمة الأمنية الهائلة التي تواجهها
ويؤكد هذا الوضع أن المعركة من أجل مستقبل إسرائيل هي في المقام الأول معركة داخلية. في الآونة الأخيرة، كانت إسرائيل تواجه أزمة هوية عميقة، وتعاني من احتجاجات واسعة النطاق ضد محاولات رئيس الوزراء نتنياهو إضعاف السلطة القضائية. وتهدد إصلاحات نتنياهو القضائية بتعطيل التوازن الدقيق بين العناصر اليهودية والديمقراطية في هوية إسرائيل، ما يمكن أن يغلّب الجانب اليهودي على حساب القيم الديمقراطية. ومن الممكن أن تؤدي مثل هذه التغييرات إلى زيادة عزلة إسرائيل إقليميا وعالميا، مما يعزز الرواية السائدة بين بعض الإسرائيليين بأن "العالم ضدنا".
داخليا، هناك وجهتا نظر رئيستان. ويؤكد أحد المعسكرين أن إسرائيل في المقام الأول دولة يهودية، ويدعم بذلك النهج الطائفي ويدعو إلى إلحاق الهزيمة الكاملة بخصومها وسحق أعداء إسرائيل. في المقابل هناك الأقلية التي ظلت في سبات طويل ولكنها بدأت تدرك أهمية حماية المؤسسات الديمقراطية وتدعو إلى أن الأمن وحده لا يشكل هدفا وطنيا كافيا.
وقد لا يكون التحدي الرئيس الذي يواجه إسرائيل مع اقتراب الذكرى السادسة والسبعين لتأسيسها هو الأزمة الأمنية الهائلة التي تواجهها، بل أيضا في إدراك أن لديها خيارات استراتيجية متعددة تنقل هدفها الأساسي من السعي إلى تحقيق "النصر" الصريح إلى تبني مجموعة أكثر دقة وبعيدة المدى من الأهداف التي تعالج النطاق الأوسع من التحديات التي تواجهها.