تقول الحكاية: "زار زوجان من إحدى المدن الهندية أحد أقاربهما في الريف رفقة ابنهما الصغير. أثناء رحلة العودة، سأل أحد الوالدين الطفل إذا كان استمتع بيومه؟ أجاب الطفل: ’نعم، أبناء عمومتي لديهم كثير من الأصدقاء، وقد لعبنا معا طيلة النهار’. وعندما سأله من جديد: ’هل كانت هناك فتيات بينكم، أم كنتم مجرد ذكور؟’، ردّ الطفل: ’لست أدري، فقد كانوا جميعا عراة’".
الجسم العاري، بالنسبة إلى هذا الطفل، لا هوية له. فاللباس هو الذي يحمّل الجسم دلالات ويعطيه معاني فيعيّن جنسه ويحدّد انتماءه ويرسم هويته. هذا ما كان هيغل كتبه: "اللباس هو ما يصبح به الجسم دالا". الملبس، مثل اللغة، معانٍ ودلالات، فهو يعبر عن مواقفنا، ويدل على مرتبتنا الاجتماعية وانتمائنا الطبقي، بل إنه يحدّدهويتنا (السياسيةوالثقافيةوالدينية)، إن لم يكن جزءا منها. في استطاعتنا أن نجزم أن الأفراد، قبل أن يتبادلوا الكلام، يتبادلون معلومات شخصية واجتماعية من طريق ما يرتدونه من ملابس، حتى وإن اقتصرت تلك الملابس على مجرد رسوم ووشوم أو كتابة تغطي الجسد، فحتى هذه، كما كتب أحد علماء الاجتماع "علامات هوية" تجعل الجسد يعني ويدل. إنها "لباس".
علامات
اللباس لغة وعلامات. هذه العلامات تحيل إلى مواقف، وتعبر عن آراء، كما قد ترد إلى أحوال نفسية، واهتمامات عملية، بل إنها تحيل إلى مكانة ضمنا للتراتبية الاجتماعية، فتميّز بين طبقات وأجيال. هذه العلامات، تتحدد، مثل علامات دوسوسور، في علاقاتها التفاضلية، من حيث تحكمها الفروق والاختلافات، أي أنها لا تجد مبررها أساسا في الطبيعة أو في العقل.