لكن هذا القدر من قرار نتنياهو في الحفاظ على أمن إسرائيل، وهو التزام أكسبه لقب "السيد الأمن" في الدوائر السياسية الإسرائيلية، سيجعله يعتقد أنه يحقق ببساطة ما انتدبه القدر له كزعيم إسرائيلي انتخب كي يحافظ على سلامة شعبه.
ومن المؤكد أن نتنياهو يحب أن يرى نفسه "داود العصر الحديث"، ملك إسرائيل الشاعر المحارب الذي أمّن مكان شعبه في أرض إسرائيل، مؤمنا أنه يجد نفسه الآن في موقف داود نفسه، حيث لا مفر من شن المعركة من أجل بقاء أمته.
كما أن نهج نتنياهو يضعه في مصاف قادة الحرب الإسرائيليين في العصر الحديث، مثل موشيه ديان، الذي مكنته قيادته للجيش في حرب الأيام الستة عام 1967 من تأمين نصر حاسم أدى إلى تغير مشهد الشرق الأوسط الحديث.
من المؤكد أن ظهور نتنياهو كقائد حرب في إسرائيل يمثل تحولا كبيرا في حظوظه السياسية، التي تدين بالكثير لعودته المفاجئة في الانتخابات العامة الأخيرة في إسرائيل عام 2022. وقبل ذلك، كان نقاده السياسيون، من اليمين واليسار، قد سارعوا إلى كتابة نعيه السياسي بعد أن أُجبر على ترك منصبه بسبب تهم فساد بعد أن قضى 12 عاما كرئيس للوزراء.
وفي الواقع، لا يزال نقاده يؤكدون أن السبب الوحيد لعودة نتنياهو إلى الخط الأول في السياسة الإسرائيلية، هو أنه رأى في العودة أفضل وسيلة تمنحه الحصانة من الملاحقة القضائية.
ومع أن نتنياهو ادعى بعد فوزه المفاجئ في الانتخابات أنه سيشكل حكومة وحدة وطنية، سيمثل فيها جميع الإسرائيليين "دون استثناء"، إلا أنه انتهى إلى تشكيل واحدة من أكثر الحكومات اليمينية في تاريخ البلاد. وهذا يعني أن الحكومة الإسرائيلية، على الرغم من الادعاءات بأن إسرائيل تخوض صراعا وجوديا من أجل البقاء، فإنها تجد نفسها على نحو متكرر هدفا لمظاهرات واسعة النطاق يطالب فيها المتظاهرون بإقالة نتنياهو من منصبه. إلا أن "الملك بيبي"، كما يناديه أنصاره، مع ما يواجهه من معارضة صاخبة، لا يزال يحتفظ بمظهره المهيمن على المشهد السياسي في إسرائيل. ولا يزال الزعيم الأطول خدمة في البلاد، بعد أن حقق رقما قياسيا في خمسة انتصارات انتخابية وتولى منصبه ست مرات، أي أكثر من أي رئيس وزراء آخر في تاريخ البلاد الذي يمتد 76 عاما.
"سيد أمن" والناخبون
يرجع نجاح نتنياهو في معظمه إلى قدرته على إقناع الناخبين الإسرائيليين بأنهم لم يكونوا في يوم أكثر ثراء وأمانا كما هم عليه في ظل حكمه، وإلى عمله الدؤوب في غرس صورته كأفضل شخص مؤهل لحماية أمن الشعب الإسرائيلي.
ومع ذلك، فقد هشم هجوم "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول صورة نتنياهو الأمنية، وتعرض رئيس الوزراء لتدقيق داخلي وانتقادات متزايدة منذ ظهور تقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية تفيد بأنه تجاهل تحذيرات من هجوم وشيك من أراضي غزة. وتظهر استطلاعات الرأي أن معظم الإسرائيليين يلومونه وحكومته لأنه لم يقم بواجبه في حمايتهم وتوفير الأمن لهم في ذلك اليوم. ويعتقد الأغلبية أن الجيش الإسرائيلي كان يركز أكثر من اللازم على الضفة الغربية، فترك حدود غزة دون حماية كافية.
وجاء تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" ليكشف أن الجيش الإسرائيلي لم يكن مستعدا لهجوم مفاجئ، مما جعل رده بطيئا في 7 أكتوبر. ووعد نتنياهو بالتحقيق في الإخفاقات الأمنية والاستخباراتية بعد الصراع، ولكن البعض يعتقدون أنه ربما يطيل أمد الصراع لتجنب التحقيق والمحاسبة على أفعاله. ومن المتوقع أن يبحث التحقيق أيضا تورطه في تمويل "حماس".
كما نال خلال مسيرته السياسية الطويلة نصيبه من النكسات، مثل خسارته أمام آرئيل شارون، منافسه القديم على زعامة حزب الليكود اليميني.
سارة نتنياهو، زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تلوح بيديها أثناء ظهورها مع زوجها وهو يخاطب مؤيديه في مقر حزب الليكود في مدينة تل أبيبولكن نتنياهو حتى عندما يواجه عقبات كبيرة، يتمكن دوما من إيجاد طريقة للتغلب عليها، وهي صفة يعتقد كثير من أنصاره أنه اكتسبها خلال خدمته التي أمضاها في وحدة الكوماندوز من قوات النخبة الإسرائيلية عندما كان شابا.
بعد أن قضى نتنياهو معظم شبابه في أميركا، حيث عمل والده أكاديميا وناشطا صهيونيا، عاد إلى إسرائيل وهو في عمر 18 عاما، وقضى خمس سنوات في الخدمة مع الجيش الإسرائيلي، وترقى إلى رتبة نقيب في قوات النخبة "سيريت متكال" من قوات الكوماندوز. وأصيب في غارة على طائرة بلجيكية اختطفها مسلحون فلسطينيون وهبطت في إسرائيل عام 1972 كما شارك في حرب عام 1973.
بعد تعيينه عام 1982 نائبا لرئيس البعثة الإسرائيلية في واشنطن، أصبح وجها مألوفا على شاشة التلفزيون الأميركي ومدافعا فعالا عن إسرائيل، مع قدرته على التحدث باللغة الإنجليزية بطلاقة مع لكنة أميركية مميزة جعلت أداءه متقنا.