مصر وحماية سيناء مع بدء إسرائيل غزو رفح

القاهرة توحد البدو وتعزز الأمن في سيناء وتسرّع وتيرة إسكانها تحسبا لتدفق سكان غزة المحتمل

أ.ف.ب
أ.ف.ب
دبابة تابعة للجيش المصري ومركبة مشاة قتالية منتشرة بالقرب من الجانب المصري من معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة في 23 مارس 2024

مصر وحماية سيناء مع بدء إسرائيل غزو رفح

يأتي الغزو الإسرائيلي الحالي لمدينة رفح الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة، ليقدم فقط دليلا على صحة ومشروعية المخاوف المصرية من تدفق مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى سيناء، ويجعل هذا السيناريو وشيك الحدوث أيضا.

وتتوقع مصر أن يفر معظم الفلسطينيين الذين يزيد عددهم على مليون نسمة ممن يحتمون الآن في رفح، بحياتهم إلى سيناء، وهو ما حاولت مصر منعه منذ بداية الهجوم الإسرائيلي على غزة في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

وقد كثفت السلطات المصرية في الأسابيع الماضية، إجراءاتها لحماية سيناء من هذا السيناريو، حيث اتخذت سلسلة من الإجراءات في هذا الشأن، منها التشكيل الأخير لتجمع سيوحد قبائل الأراضي الواقعة شمال شرقي مصر والمتاخمة لكل من إسرائيل وقطاع غزة تحت مظلة منظمة واحدة.

ويجمع "اتحاد القبائل العربية"، الذي أُعلن عنه في سيناء مطلع مايو/أيار الحالي، قبائل سيناء وبدوها تحت مظلة واحدة للمرة الأولى. ويضم الاتحاد حتى الآن قبائل وبدوا ممن ساعدوا الجيش والشرطة المصريين في المعارك ضد فرع تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء خلال العقد الماضي، حين كان رجال القبائل هؤلاء يزودون الجيش المصري بمعلومات استخباراتية ثمينة عن مخابئهم في صحاري سيناء، كما شاركوا بأنفسهم في قتال الإرهابيين جنبا إلى جنب مع قوات الجيش ورجال الشرطة.

يقول مسؤولو "الاتحاد" إن رجال هذه القبائل ذاتها سيشكلون الآن خط الدفاع العام عن سيناء مع احتدام الحرب على بعد بضعة كيلومترات من الأراضي المصرية وتصاعد المخاطر على أمنها.

تخشى مصر من أن يؤدي اجتياح رفح إلى أزمة نزوح باتجاه سيناء

مصطفى بكري، عضو مجلس النواب المصري والمتحدث الرسمي باسم "الاتحاد"، أخبر "المجلة" أن التجمع سيكون مستعدا للدفاع عن سيناء، بعد أن حذر من تهجير أهالي غزة إليها. ولكن الكيفية التي سيشارك "الاتحاد" في تأمين سيناء أو منع تهجير فلسطينيي غزة إليها لا تزال غامضة.

ولكن بكري أوضح أن أعضاء "الاتحاد" الجديد البالغ عددهم 10 آلاف سيؤدون دورا مهما في الدفاع عن سيناء، بفضل ما تتمتع به هذه القبائل من نفوذ، لا في سيناء فقط، بل في أماكن أخرى من مصر أيضا.

تعارض مصر الغزو الإسرائيلي لرفح بشدة، وقد أعربت عن مخاوفها من هذا الغزو في مناسبات عديدة منذ بداية الحرب. ففي 6 مايو، حذرت وزارة الخارجية المصرية مما يحمله هذا الغزو من مخاطر على السكان المتكدسين في رفح وعلى مصر والمنطقة.

وقد ذكر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المخاطر نفسها تقريبا في جميع الاجتماعات التي عقدها مع مسؤولين أجانب منذ بداية الحرب، وذكرها كذلك في اجتماعه الأخير في القاهرة مع أمير الكويت يوم 30 أبريل/نيسان. كما شدد السيسي  على القضية نفسها في اتصال هاتفي مع الرئيس الأميركي جو بايدن في اليوم السابق. وقال إن التصعيد العسكري في رفح سيزيد الوضع الإنساني سوءا في هذه المدينة الفلسطينية.

وتخشى مصر، بالإضافة إلى تركيزها على الآثار المدمرة التي سيتركها هذا الغزو على الأوضاع الإنسانية في رفح، من أن يؤدي الغزو ذاته إلى أزمة نزوح في سيناء، خاصة إذا فر مئات الآلاف من سكان غزة المحشورين الآن في هذه المدينة طلبا للحماية على الجانب المصري من الحدود. وسيكون تدفق سكان غزة المذعورين إلى سيناء محرجا للقوات المصرية القليلة المتمركزة الآن على الجانب المصري من الحدود، التي يبلغ طولها 12 كيلومترا (7.5 ميل) بين سيناء وغزة.

ففي يناير/كانون الثاني 2008، حينما فجر مسلحو "حماس" جزءا من الجدار الحدودي بين غزة وسيناء مما سمح لمئات الآلاف من الفلسطينيين بالعبور إلى مصر، لم تتصرف القوات المصرية المنتشرة قريبا من الحدود حينها بعنف مع الفلسطينيين الداخلين إلى الأراضي المصرية.

ومن المرجح أن تتصرف القوات المصرية بالطريقة نفسها، إذا فر مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى مصر هذه المرة أيضا هربا من القصف والهجمات الإسرائيلية عليهم. إذ يرتكز رد فعلها المتوقع على عقيدة الجيش المصري التي تعتبر الدفاع عن الإخوة العرب أحد مبادئها الأساسية.

المخاوف المصرية تصطدم بإصرار إسرائيل على السيطرة على ممر فيلادلفي، ولا سيما مع رغبتها في فرض حصار على كتائب "حماس" المتبقية في رفح

إلا أن مصر، التي سيخلق فرار الفلسطينيين إليها وضعا مرعبا لها، لن تسمح بأن تتحول سيناء إلى مخيم دائم للاجئين الفلسطينيين أو أن تجعل "حماس" من هذه الأراضي المصرية قاعدة تشن منها هجماتها الانتقامية ضد إسرائيل.

ومن جانب آخر، تعرب مصر عن خشيتها من أن يؤدي غزو رفح إلى خرق معاهدة السلام التي أبرمتها مع إسرائيل عام 1979 وتعريضها للخطر، إذ تحد هذه المعاهدة من وجود القوات الإسرائيلية على امتداد حدود سيناء من جانب غزة. وفي عام 2005، تولت السلطة الفلسطينية مسؤولية الأمن على هذا الخط الحدودي الذي يبلغ طوله 14 كيلومترا (7.8 ميل)، والمعروف باسم ممر فيلادلفي، قبل أن تجتاح "حماس" غزة عام 2007.

لكن المخاوف المصرية تصطدم بإصرار إسرائيل على السيطرة على هذا الممر، ولا سيما مع رغبتها في فرض حصار على كتائب "حماس" المتبقية في رفح، ومع ادعائها أن الحركة الحاكمة في غزة تتلقى إمداداتها من الأسلحة عبر شبكة من الأنفاق تحت الأرض على طول حدود هذا الممر مع مصر.

تهدئة المخاوف المصرية

سعت إسرائيل إلى تهدئة المخاوف المصرية من غزو رفح، بأن أرسلت عددا من مسؤولي مخابراتها إلى القاهرة في الأسابيع الماضية، حيث أكدوا لنظرائهم المصريين أن هذا الغزو لن يدفع الأهالي المزدحمين الآن في رفح نحو مصر، وتحدثوا عن خطة إسرائيلية لإجلاء سكان رفح إلى مناطق أخرى من القطاع.

وقبل أن تبدأ إسرائيل قصفها على شرق رفح يوم 6 مايو، أمرت الأهالي المتكدسين فيها بالتوجه إلى المواصي، وهي بلدة بدوية فلسطينية تقع على الساحل الجنوبي لقطاع غزة. غير أن القاهرة لا تثق كثيرا بأن هذا الإجراء سيمنع من حدوث ذلك الاحتمال المروع المتمثل في فرار سكان غزة بحياتهم بدلا من ذلك إلى سيناء. كما يعتقد المصريون أن من سينجو من الموت تحت القصف الإسرائيلي في أثناء غزو رفح، سيفر من الموت جوعا فيها، وستكون النتيجة الحتمية لذلك هي الهروب إلى مصر.

سبق للجيش المصري أن حصّن السياج الحدودي مع الأراضي الفلسطينية، فبنى فيه جدارا نصفه خرساني ونصفه معدني

يشار إلى أن إسرائيل تحتل الآن الجانب الفلسطيني من معبر رفح، وهو نقطة العبور الوحيدة من غزة إلى مصر ونقطة الدخول الرئيسة للمساعدات الإنسانية والإغاثية إلى تلك الأراضي الفلسطينية التي مزقتها الحرب وأنهكها الجوع.

وكنتيجة لهذا الاحتلال سيتوقف تدفق المساعدات الإنسانية ومساعدات الإغاثة من مصر إلى غزة على نحو صارخ، وهي المساعدات الضئيلة في العادة مقارنة بالاحتياجات الضخمة لسكان القطاع البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة.

مصر ليست على مقاعد المتفرجين

كل هذا يخلق الظروف المواتية لنزوح من هم في رفح إلى مصر، وهو السيناريو الذي كانت السلطات المصرية تستعد له، بما فيه استعدادها بتعزيز الأمن في سيناء، وعلى الأخص على طول الحدود مع غزة. وقد سبق للجيش المصري أن حصّن السياج الحدودي مع الأراضي الفلسطينية، فبنى فيه جدارا نصفه خرساني ونصفه معدني.

كما ازداد وجود القوات المصرية على نحو ملحوظ في شمال سيناء عقب الهجمات التي شنتها "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول على المستوطنات في جنوب إسرائيل، حيث اتخذت دبابات الجيش مواقعها في أجزاء مختلفة من صحراء سيناء في الطريق إلى الحدود مع غزة. كما تنتشر قوات العمليات الخاصة المصرية الآن في نقاط عديدة على طول الحدود مع غزة.

أ.ف.ب
نازحون فلسطينيون يحملون أمتعتهم وهم يسيرون على الأنقاض في حي مدمر في خان يونس جنوب قطاع غزة

 

الحكومة المصرية عملت على تسريع تنمية الإقليم، مع خطة لجذب ملايين المصريين للانتقال إليها من الدلتا ووادي النيل

ويقول محللون أمنيون إن تعزيز الوجود الأمني في سيناء أمر مهم لمواجهة المخاطر في هذا الوقت الحرج. حيث قال اللواء المصري المتقاعد، نصر سالم، لـ"المجلة": "المشكلة أن إسرائيل تريد إجبار سكان غزة على الفرار إلى مصر". وأضاف: "وهذا يفرض على مصر أن تتخذ كافة الإجراءات لحماية أراضيها".

صحراء شاسعة

ظلت سيناء بمساحتها البالغة 60 ألف كيلومتر مربع في الشمال الشرقي من مصر، فارغة ومتخلفة إلى حد كبير طيلة مئات السنين. ويسكنها الآن نحو 600 ألف نسمة، معظمهم من البدو والقبائل التي عاشت فيها منذ أمد طويل.

ولعل الحكومة المصرية، بعد إدراكها لما تواجهه سيناء من المخاطر الناجمة عن هذا النقص في المحتوى البشري ونقص التنمية، عملت على تسريع تنمية الإقليم، مع خطة لجذب ملايين المصريين للانتقال إليها من المدن المزدحمة في الدلتا ووادي النيل.

وقد أعلنت الحكومة مؤخرا عن استكمال بناء مدينة رفح الجديدة، وهي مجمع حضري أقيم على بعد 7 كيلومترات من الحدود مع غزة وإسرائيل. وستكون هذه المدينة الجديدة موطنا لـ75 ألف شخص. وهي واحدة من عدة مجمعات مدينية جديدة مخطط لها في شمال ووسط سيناء.

ويقول محللون إن هذه المجمعات، إلى جانب المشاريع الزراعية والصناعية والخدمية العملاقة الأخرى، تهدف إلى إعمار سيناء، لأنه الأداة الضرورية لحمايتها.

وقال سمير غطاس، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، لـ"المجلة": "كان ينبغي تطوير سيناء منذ زمن طويل". وأضاف: "ينبغي أن تكون (سيناء) سكنا لملايين الأشخاص، فوجودهم هو من سيبعد عنها كل المخاطر".

font change

مقالات ذات صلة