يتفرد "التيار الصدري" بخصائص قد تختلف عن نماذج الإسلام السياسي الفاعلة والمؤثرة في المنطقة، والتي تكون غالبا فاعلة اجتماعيا لكنها غير مؤثرة في القرار السياسي. فهو تيار جماهيري ذو امتداد أفقي في مجتمع المناطق الشيعية، وفي الوقت ذاته يتغلغل عموديا في جميع مؤسسات الدولة. ولذلك كان يسعى دائما للبقاء ضمن دائرتَي السلطة والنفوذ الاجتماعي، ولا يريد أن يضحي بأحدهما، وقد تكون هذه أهم النقاط التي أسهمت في بقائه قويا داخل الوسط الاجتماعي والسياسي وفي بلد تحكمه المعادلة القائلة: النفوذ الاجتماعي لا يتم إلا من خلال بوابة النفوذ السياسي.
زعامة مقتدى الصدر لـ"التيار الصدري"، أيضا، من أهم مميزات هذه الحركة الدينية- السياسية. إذ يرتكز التيار على الرمزية الدينية في تنظيم علاقته مع جمهوره، ويعتمد على مبدأ السمع والطاعة لزعيمه. ولذلك هو لا يريد مخادعة الرأي العام بعناوين حزبية ومؤتمرات تجدد الثقة لزعامته، فالقرار الأول والأخير للسيد مقتدى الصدر، والقضايا التنظيمية مرتبطة بهيئات يختار الصدر من يجد فيه الثقة لإدارتها.
الخاصية الأخرى التي تفرد بها "التيار الصدري"، هي تحولات خطابه السياسي نحو القضايا الوطنية. فقد بدأ تيارا يحمل لواء مقاومة الوجود العسكري الأميركي في العراق، ويحاول أن يفرض نفوذه على جغرافيا جمهوره. ليتحول فيما بعد إلى تيار يحمل شعارات ترفض النفوذ الأجنبي حتى وإن كان يتشارك معه الانتماء المذهبي، وأخيرا محاولته الانقلاب على بنية نظام الحكم التوافقي والتوجه نحو حكم الغالبية الوطنية.
"التيار الصدري"، منذ بداية تشكيله حتى انسحابه من البرلمان بعد انتخابات 2021 من أبرز ما يميزه أنه كان دائما يقف وحده في مواجهة القوى السياسية الشيعية الأخرى، ولذلك كان دائما يعتمد مناورة التمرد على إجماع الضد النوعي السياسي الشيعي. ولعل السبب في ذلك يعود إلى البيئة السياسية التي نشأ فيها هذا التيار بعد 2003. إذ نشأ ونما في معزل عن الحركة السياسية للشيعة العراقيين خارج العراق، تيار مستقل عن "حزب الدعوة"، وعن "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق". وربما ثنائية سياسيي الداخل والخارج تتفاعل بقوة في كثير من المواقف السياسية لـ"التيار الصدري" إزاء منافسيه السياسيين الشيعة.
عنوان جديد
يعد الإعلان عن تغيير عنوان "التيار الصدري" إلى "التيار الوطني الشيعي"، بمثابة انطلاق "الدخان الأبيض" من حي الحنانة (المنطقة التي يسكن فيها السيد مقتدى الصدر في محافظة النجف الأشرف) الذي يعلن عودة التيار إلى العمل السياسي.
اللحظة المفصلية في التاريخ السياسي لـ"التيار الصدري"، تجسدت في قرار انسحاب نوابه من البرلمان في الشهر السادس من 2022. إذ كان قرار الانسحاب تحديا لخسارة النفوذ السياسي الذي عمل الصدريون على ترسيخه في القرار السياسي ومؤسسات الدولة من مشاركتهم السياسية بعد 2003. بيد أنه يمثل مكسبا لتغيير الصورة النمطية عن المواقف السابقة لزعيم "التيار الصدري"، بالانسحاب والتراجع وعدم الثبات على موقف سياسي.
أما هذه المرة فالثبات على رفض المشاركة في حكومة توافقية يعد موقفا يحسب للصدر. ومن جانب آخر، استثمر الصدر انسحابه من تشكيل الحكومة بعد انتخابات 2021 بتثبيت موقفه في الرد على المشككين في خطابه نحو الإصلاح السياسي ومعارضته لمبدأ التوافقية السياسية التي يحملها مسؤولية الخراب والفساد والفوضى.