في خطوة مرت دون أن يلاحظها أحد تقريبا، وقع الرئيس الأميركي جو بايدن مشروع قانون قمع الإتجار غير المشروع بالكبتاغون ليصبح قانونا في 24 أبريل/نيسان، ووضعه موضع التنفيذ على الفور.
يُنتج الكبتاغون، وهو عقار شبيه بالأمفيتامين ويسبب الإدمان، بتكلفة زهيدة ويشكل مصدر قلق أمني كبيرا في الشرق الأوسط وخارجه. منذ عام 2019، وقد برزت سوريا كمركز إقليمي لإنتاج وتهريب الكبتاغون، ما أدى إلى إنتاج مليارات الدولارات من الأموال غير المشروعة لنظام بشار الأسد وشركائه، مما حول البلاد فعليا إلى دولة مخدرات.
ويمنح القانون الذي أطلق عليه اسم "الكبتاغون 2"، البيت الأبيض سلطة فرض عقوبات جديدة ومباشرة على المتورطين بشكل مباشر في تصنيع هذا العقار الخطير والإتجار به بشكل غير قانوني، بهدف تعطيل وتفكيك هذه التجارة غير المشروعة في الشرق الأوسط.
وفي حين يشير القانون إلى التزام الولايات المتحدة بمكافحة تهريب الكبتاغون، فإن فعاليته ستحول استخدام إدارة بايدن العقوبات إلى مجرد لفتات رمزية لتوظفها بدلا من ذلك في استهداف الهياكل التي تسهل انتشار الكبتاغون استهدافا فعالا.
قانون "الكبتاغون 2" استمرار لإجراءات الكونغرس السابقة التي استهدفت تجارة الكبتاغون المتنامية في سوريا. ويهدف قانون الكبتاغون الأول، الذي أقره الكونغرس في ديسمبر/كانون الأول 2022، إلى وضع استراتيجية تعتمد على التنسيق بين الوكالات الفيدرالية الأميركية لتعطيل وتفكيك شبكات الإتجار بالكبتاغون والمخدرات المرتبطة بنظام بشار الأسد في سوريا.
وقد فرضت وزارة الخزانة الأميركية لاحقا سلسلتين من العقوبات استهدفت شخصيات في النظام السوري والجهات اللبنانية المتورطة في إنتاج وتهريب الكبتاغون. ففي مارس/آذار 2023، فرضت الولايات المتحدة، بالتنسيق مع المملكة المتحدة، عقوبات على ستة أفراد، بينهم اثنان من عائلة الأسد (سامر كمال الأسد ووسيم بادي الأسد)، إضافة إلى قائد ميليشيا تابعة للمخابرات العسكرية (عماد أبو زريق)، وتاجر مخدرات لبناني بارز (نوح زعيتر)، ومهربين سوريين اثنين يعملان تحت غطاء أنهما من رجال الأعمال (خالد قدور وحسن محمد دقو). واستهدفت الحزمة الثانية من العقوبات، التي صدرت بعد عام، شخصين آخرين (طاهر الكيالي ومحمود عبد الإله الدج) بتهمة تهريب المخدرات.
وفي حين فُرضت عقوبات على هؤلاء الأفراد بالفعل بسبب تورطهم في تجارة الكبتاغون، كان على إدارة بايدن أن تبرر هذه الإجراءات باستخدام أوامر تنفيذية أخرى، وبشكل خاص تلك التي استهدفت مكافحة انتهاكات حقوق الإنسان أو منع الدعم المالي عن النظام السوري.
فعالية القانون ستحول استخدام إدارة بايدن العقوبات إلى مجرد لفتات رمزية، لتوظفها بدلا من ذلك في استهداف الهياكل التي تسهل انتشار الكبتاغون استهدافا فعالا
في المقابل، يوفر قانون "الكبتاغون 2" أساسا قانونيا صريحا للبيت الأبيض لاستهداف أي فرد أو كيان أو شبكة أجنبية متورطة في أنشطة المخدرات ومرتبطة بالحكومة السورية أو "حزب الله". إضافة إلى ذلك، فإنه يفرض على إدارة بايدن تقييم قائمة تضم ثمانية أشخاص من مساعدي الأسد، فرضت عليهم عقوبات في وقت سابق بموجب أوامر تنفيذية أخرى، وتحديد ما إذا كان كل منهم يستوفي معايير العقوبات بموجب قانون "الكبتاغون 2"، مما قد يعرضهم للعقوبات بموجب هذا التشريع الجديد أيضا.
إلى جانب أهمية قانون "الكبتاغون 2" السياسية والرمزية، كونه يمثل تذكيرا بأن الأسد ليس مجرم حرب فحسب، بل هو متورط أيضا في تهريب المخدرات، فإن هذا القانون يمكّن البيت الأبيض بشكل أساسي من فرض عقوبات إضافية. وبالتالي، فإن فعاليته في تعطيل شبكة المخدرات التابعة للأسد تتوقف على تطبيق الولايات المتحدة الاستراتيجي لهذه العقوبات كي تسبب الحد الأقصى من الضرر.
لكن الأمل ضئيل في أن تتمكن إدارة بايدن من استخدام القانون الجديد بفعالية، فبايدن، الذي لا شهية لديه في التدخل في الصراع السوري، كان على الدوام مترددا في فرض عقوبات استراتيجية لتعزيز سياسة الولايات المتحدة في المنطقة. ويتجلى هذا الأمر بشكل أوضح في حالة تعطيل تجارة الأسد للكبتاغون. رغم سنوات من تسليط الضوء على تورط النظام السوري في إنتاج الكبتاغون والإتجار به، الأمر الذي أدى إلى إيرادات بالمليارات، إلا أن ثمانية أفراد فقط واثنتين من الشركات المرتبطة بهم واجهوا عقوبات حتى الآن.
إضافة إلى ذلك، فإن هذه العقوبات تفتقر إلى القوة. إذ لا يملك أي من الأفراد الخاضعين للعقوبات مصالح تجارية أو حسابات مصرفية في الولايات المتحدة، على الأقل ليس بأسمائهم الخاصة، ولا يمكنهم الحصول على تأشيرات لدخول البلاد. وبما أن هذه هي الآثار الأساسية للعقوبات الأميركية، فقد تمكن الأفراد الخاضعون للعقوبات من مواصلة أنشطتهم دون انقطاع من قواعدهم الآمنة في سوريا.
إلى جانب أهمية قانون "الكبتاغون 2" السياسية والرمزية، كونه يمثل تذكيرا بأن الأسد ليس مجرم حرب فحسب، بل هو متورط أيضا في تهريب المخدرات
لا يرجع العدد المحدود من العقوبات إلى نقص المعلومات، بل إلى الافتقار للإرادة السياسية بهدف اتخاذ الإجراءات اللازمة. فمنذ عام 2019 جرى تجميع وثائق شاملة لمختلف الشبكات والأفراد المنخرطين في إنتاج الكبتاغون والإتجار به عبر لبنان وسوريا وحتى العراق منذ عام 2019، على المستويين الخاص والعام. وبالتالي، كل ما ينبغي على الولايات المتحدة فعله هو الوصول إلى هذه المعلومات والتحقق منها، لمعاقبة جميع الأفراد رفيعي المستوى المتورطين على الأقل.
وأكثر من ذلك، يجب على إدارة بايدن تحديد وتعطيل سلاسل التوريد المستخدمة لاستيراد المكونات اللازمة لإنتاج الكبتاغون، وكذلك تلك المستخدمة لتهريبه إلى الخارج. إن مجرد استهداف أفراد مختارين متورطين لن يؤدي إلا إلى توريط الولايات المتحدة في محاولة إيقاف المشكلة التي تحدث بشكل متكرر بطريقة مجزأة دون التوصل إلى حل شامل، كما لو أنها تخوض لعبة عقيمة أخرى من ألعاب "اضرب الخلد".
وبالإضافة إلى توسيع قائمة الأفراد الخاضعين للعقوبات، يجب على الولايات المتحدة أن تحشد حلفاءها ليس في أوروبا وحسب، بل أيضا في الشرق الأوسط وأماكن أخرى من العالم لفرض عقوبات مماثلة على أولئك المتورطين.
ولكي يسفر قانون "الكبتاغون 2" عن نتائج ملموسة، ينبغي على الولايات المتحدة أن توقف ممارستها المتمثلة في استخدام العقوبات باعتبارها مجرد لفتات رمزية وليست سوى وهم زائف عن القيام بفعل حقيقي. إن مثل هذه الجهود المترددة لا تخدع أحدا، وقد أصبحت مصدرا للسخرية، حتى بين الأفراد الذين تستهدفهم.