إذا كان ما بعد الإنسانية يمثل مشروعا علميا جديدا يسعى إلى تطوير مجال قدرات الإنسان البيولوجية والعقلية والنفسية وتوسيعها بالاستعانة بتقنيات حديثة، والإفادة من كل العلوم البيولوجية والرقمية والذكاء الاصطناعي، فماذا عن مشاعرنا؟ ماذا عن الحب؟
كنتُ قد طرحتُ هذا السؤال منذ مدّة في أحد المقالات، وأعيد اكتشافه اليوم في رواية "نزوح" للكاتب اليمني حبيب عبد الرب سروري، الصادرة حديثا عن "دار الساقي"، لأجد فيها احتمالات عدة يصنعها خيال المؤلف، محمّلا إياها خلاصة تأمّل عميق متعدّد الطبقات في النفس البشرية، وفلسفة الوجود، وحال العالم في لحظتنا الراهنة، والمشكلات التي يواجهها ساكنو كوكبنا بعدما فعل الإنسان ما فعل بجبروته ونهمه إلى السيطرة والحيازة.
من السمات البارزة في أدب سروري، الرؤية المستقبلية لعالمنا انطلاقا من اللحظة الراهنة، لناحية التقدم التقني والثورة المعلوماتية ومنتجها الأكثر تأثيرا "الذكاء الاصطناعي"، الذي حوّلنا كائنات سيبرانية، والانشغال والتمكن، إن جاز التعبير، من استثمار قاعدة بيانات مكونة من حقائق وفرضيات علمية في السرد الروائي، يعود إلى اختصاصه في علوم الكومبيوتر والذكاء الاصطناعي. أما الجانب الآخر فهو انتصاره الدائم للعقل، اهتداء بقول أبي العلاء المعري "لا إمام سوى العقل"، الذي كتب عنه رواية تخييلية تحت عنوان "تقرير الهدهد"، ومن خلال هذه الرؤية نرى الكاتب يعمل على نقد الفكر الديني والماضوي وتحطيم اليقينيات أمام الشك الذي هو سمة العقل الخلاق.