تاريخيا، قامت السلطة الفلسطينية بحملات لاعتقال نشطاء "حماس" وشيطنتهم، وقامت السلطة في رام الله بالتعاون مع إسرائيل ودول غربية للقيام بانقلاب ضد "حماس" بعد وصولها للحكم في انتخابات عام 2006، وهو ما مهد بعد ذلك لانفصال غزة تحت حكم "حماس" عام 2007. كما بررت حروب إسرائيل على غزة عام 2008-2009، وعام 2014. وفي كل الحروب والاعتداءات الإسرائيلية بعد ذلك، وصولا إلى الحرب الحالية.
لم تبادر خلالها السلطة إلى أخذ دورها المطلوب في مواجهة إسرائيل واعتداءاتها في غزة، وباقي الأراضي المحتلة التي تتعرض يوميا لاعتداءات المستوطنين والجيش الإسرائيلي. فيما تنتظر السلطة "انتهاء الحرب" ليكون لها دور في ترتيبات "اليوم التالي" وخصوصا في قضايا الإعمار، التي تعتبر لبعض قيادات السلطة وأبنائهم، مناسبة للاستثمار، كما البناء على آمال ووعود بتفعيل العملية السياسية والتقدم في مسار قيام دولة فلسطينية، وهي كما بيّن تاريخ الصراع، أوهام تبث تباعا لإسكات الفلسطينيين، وليس هدفا قابلا للتحقيق، لا إسرائيليا ولا دوليا ولا فلسطينيا، على خلفية انعدام أية شرعية للسلطة الفلسطينية ولقيادتها، بما في ذلك بصفتها قيادة "منظمة التحرير الفلسطينية".
تداعيات الحرب
من المفيد التنويه إلى أن القدرة على فهم تداعيات الحرب الحالية بالنسبة لمستقبل "حماس" السياسي يجب أن يتم عرضها في تحليل واسع، له علاقة بعدة سياقات.
أولا، في السياق المقارن، فـ"حماس" جزء من حركات الإسلام السياسي عموما، وأحد أفرع "الإخوان المسلمين" على المستوى الفلسطيني- هنالك فرعان آخران يعملان لدى الفلسطينيين داخل الخط الأخضر- وعموما فإن وصول الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي إلى صدام مع السلطات في دولها وحتى تشتيتها من خلال ملاحقتها أو منعها من العمل، لم يؤد إلى نهاية دورها السياسي، وعموما فقد عادت في كثير من الحالات أكثر قوة بعد توقف نشاطها لفترة. التجربة المصرية والأردنية والتركية والمغربية والتونسية تفيدنا كثيرا في ذلك، بما في ذلك انخراط هذه الحركات في الحكم مع أعدائها السابقين.
ثانيا، في السياق التاريخي، لـ"حماس" تجربة سياسية في فلسطين، بدأت مع الانتفاضة الأولى (1987-1992) واستمرت بموازاة "أوسلو" وإقامة السلطة، ونشطت في التصدي لـ"أوسلو" وتنفيذ عمليات انتحارية في العمق الإسرائيلي مما ساهم في صعود اليمين الإسرائيلي من جهة وزيادة التأييد لها لدى الفلسطينيين الذين يأسوا من إنهاء الاحتلال الإسرائيلي سلميا ومن ممارساته المقيتة ضد الفلسطينيين، بالإضافة للفشل في الوصول إلى حل سياسي، كما للبعد الديني، والدفاع عن القدس، وهو مهم في فهم زيادة الإقبال على دعم "حماس" من قبل الفلسطينيين.
بعد ذلك انخرطت "حماس" في العملية السياسية في السلطة الوطنية والتي انبثقت عن "اتفاقات أوسلو" (1993)، أي إن "حماس" قبلت بترتيبات وتداعيات "أوسلو" عمليا، رغم استمرار نقدها لمسار "أوسلو"، وخاضت الانتخابات البرلمانية في أراضي السلطة الفلسطينية عام 2006، وحققت نجاحا، وانتخب ممثلها إسماعيل هنية رئيسا للوزراء في السلطة، الأمر الذي توقف بعد قيام الأذرع الأمنية في السلطة وبتنسيق مع إسرائيل على انقلاب عام 2007 وحشر "حماس" في قطاع غزة، ومن ثم قيام "حماس" بالمساهمة في تعميق الانقسام الفلسطيني بعدما أصبحت عمليا "سلطة فلسطينية منفصلة" في قطاع غزة.