نجح "طوفان الأقصى" وما تلاه من حفلة جنون حربية بقطاع غزة، في تدمير الكثير من المفاهيم والمؤسسات القائمة، ومنها مساحات مجردة خاصة، يبدو أن منها الجامعات، التي فشل بعضها في التصدي للكثير من التحديات الأخلاقية والسياسية، ما يفتح الباب أمام إعادة تمجيد العنف والفوضى ضمن مؤسسات وجدت في الأصل لتلعب دورا معاكسا لذلك.
المظاهرات والحروب الطلابية التي تعصف بالكثير من المؤسسات التربوية العريقة في كل من أوروبا والولايات المتحدة دليل على التخبط الذي تعيشه "المؤسسات"، بحيث ينظم بعض طلاب جامعة كولومبيا وبرنستون وهارفارد احتجاجاتهم، ويطرحون شعارات من شأنها الدفع إلى إعادة التفكير والبحث عن صياغة لدور تلك المؤسسات في عالم "ما بعد الطوفان"، خاصة إذا وجدت الرغبة في صون وإبقاء النموذج الليبرالي للتعليم وما يمثله كقيمة للبشرية.
الحاجة إلى قراءة هادئة
عبر التاريخ تحولت الجامعات من أبراج عاجية للطلاب الميسورين والعلماء الكلاسيكيين إلى واحات للحركات السياسية والأفكار "التقدمية" التي أرست التعليم كحق مكتسب لجميع البشر وبوابة عبور نحو عالم أفضل وربما أكثر عدالة. من خلال تجربتي الشخصية والمتواضعة كأحد قادة الطلاب، وكأستاذ حالي في الجامعة الأميركية في بيروت- إحدى أعرق المؤسسات التعليمية في الشرق- فإن ما نشهده حاليا من حراك في حرم الجامعات يتطلب منا قراءة هادئة واقعية، تبتعد عن وصم التحركات بأنها فورة دم شبابية حتى لو انطفأت حركتها خلال الأسابيع القادمة.
ومن المؤكد أن مشهد "قوات مكافحة الشغب" وهم يقتادون الطلاب والأساتذة مكبلين بالأصفاد أمر مرفوض لاسيما عندما يكون مثل هذا العمل رد فعل على اعتصام سلمي ضمن سياق المطالبة بوقف القتل وسفك الدماء الذي يحصل في قطاع غزة.
بطبيعة الحال، إن الاعتراض على هذا القمع لا يعطي الحق للغلاة من مؤيدي القمع أو غلاة المحتجين بفرض آرائهم، خصوصا الذين يؤمنون باستعمال العنف والتهويل لمنع أخصامهم من حرية التعبير عن أنفسهم. رغم ذلك، فإن تلك "الحروب" في حرم الجامعات هي مجرد إعادة إحياء للمظاهرات الطلابية السابقة التي شهدتها الجامعات في الجزء الثاني من منتصف القرن الماضي، ويظهر لسوء الحظ أن مصيرها بحسب سير ومضمون حركتها سيكون الضمور والفشل، كسابقاتها.