"حماس" بعد غزة... بعد الحرب، لن تكون كما قبلها. ستكون هناك "حماس" جديدة، إسرائيل جديدة، وربما شرق أوسط جديد. وليس هناك طرف بين اللاعبين الإقليميين والدوليين يكتب وحده الوصفة الجديدة. والصراع الخفي بين الأصلاء والوكلاء يدور حول "اليوم التالي" للحرب. لا أحد يريد العودة إلى 6 أكتوبر/تشرين الأول، ولكل طرف فهمه لليوم السابق لـ"الفيضان" وأولوياته لما بعد 7 أكتوبر.
"حماس" بعد غزة، قصة غلاف "المجلة" لشهر مايو/أيار. نغوص في مستقبل التنظيم الذي وضع المنطقة على فوهة البركان. كان لـ"حماس" وحليفها الإيراني، قرار فتح الكتاب، لكنهما لا يملكان حصرية كتابة الفصول الأخيرة.
هناك سيناريوهات كثيرة لـ"حماس" الجديدة. يستلهم البعض تجارب تاريخية- فلسطينية تحديدا. في صيف 1982، حاصرت القوات الإسرائيلية رئيس "منظمة التحرير الفلسطينية" ياسر عرفات في بيروت. أبو عمار تعهد بأن يقاتل لستة أشهر. نصائح حلفائه في الاتحاد السوفياتي، وجولات أعدائه الأميركيين، وضربات وغارات إسرائيلية وصفقات سورية، وضعت عرفات في قوارب المنفى من بيروت إلى تونس في أغسطس/آب 1982، كما ركب قبل ذلك حافلات المنفى من الأردن إلى لبنان بعد "أيلول الأسود" في 1970... وضمن قصة الغلاف، ننشر وثائق تروي بالتفصيل الأيام الأخيرة لعرفات في بيروت.
عرفات كان ضيفا في الأردن ولبنان. "حماس" جزء من البيئة الغزاوية. هو لم يصمد سوى بضعة أشهر. الحركة لا تزال موجودة لأكثر من ستة أشهر، رغم االدمار والدماء. "منظمة التحرير" تضم فصائل يسارية. "حماس" حركة إسلامية. نفي عرفات كان من إشارات تراجع صحة "السوفيات" في العالم. عناد "حماس" امتداد لمغامرات إيرانية في الإقليم.
هناك من يرى يحيى السنوار يركب قوارب المنفى كما فعل ياسر عرفات لدى خروجه من بيروت في 1982
صحيح، هناك فروق، لكن التقاطعات كثيرة: قرار إسرائيلي وغطاء غربي ودور عربي. لذلك، هناك من يرى زعيم "حماس" في غزة يحيى السنوار وقائد "كتائب القسام" محمد الضيف يركبان قوارب المنفى، ومن يرى رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية و"إخوته" في طائرة تقلع من الدوحة باتجاه واحد، كما تنقّل قادة "حماس" سابقا من عاصمة إلى أخرى، وعرفات بين عواصم ومخيمات قبل أن يعود إلى الداخل.
في قصة الغلاف نعرض السيناريوهات. هناك "الخروج المشرف" كما حصل مع عرفات عامي 1970 و1982. وهناك احتمال التحول إلى اندماج الحركة في "منظمة التحرير" بعد إلقاء سلاحها كما ألقى عرفات البندقية ونبذ العنف وقبل حدود 1967، وانضم إلى مسار التسوية وصولا إلى "اتفاق أوسلو" 1993 والعودة إلى الداخل. هناك اقتراحات بنشر قوات عربية ضمن سيناريوهات إقليمية أوسع لـ"اليوم التالي". ألم ترث "قوات الردع العربية" عرفات وقواته في بيروت عام 1982 قبل أن تصبح الكلمة الكبرى للقوات السورية في بيروت ولبنان إلى حين انسحابها عام 2005؟
هناك سيناريو له علاقة بحسابات طهران الإقليمية. استمرار "حرب الاستنزاف" في غزة، كما حصل في "ساحات إيران" الأخرى
مقابل هذه الوصفات، هناك سيناريو له علاقة بحسابات طهران الإقليمية. استمرار "حرب الاستنزاف" في غزة، كما حصل في "ساحات إيران" الأخرى، وأن تستنسخ "حماس" تجربة "حزب الله" في لبنان و"الحشد الشعبي" في العراق والحوثيين في اليمن. تملك الأرض والألغام والمتفجرات والمسيرات والمعسكرات، لكنها لا تقدم الرواتب والمياه والمستشفيات والإعمار. تحظى بميزة قرار الاعتراض، لكنها لا تملك أعباء الدولة ولا تضع نفسها في موضع المساءلة والمحاسبة. وقد يطل في هذا السياق "الخيار الانتحاري"، ويستمر الاستنزاف بناء على حسابات أطول وأوسع من المعادلات الفلسطينية. معادلات تمس "حماس" باعتبارها امتدادا لـ"الإخوان المسلمين" وحليفا لطهران، في الإقليم والعالم.
إذن، "حماس" باقية بطريقة ما طالما بقي الاحتلال، ولا يمكن هزيمتها، كما أن البديل قد يكون أكثر تشددا وتطرفا، وأن حرب غزة وصفة لتجنيد "الحمساويين" الجدد.
مستقبل "حماس" وغزة عالق بين سؤالين: ماذا يريد "المرشد" علي خامنئي؟ ولماذا يواصل بنيامين نتنياهو حروبه؟
لكنّ هناك أفكارا أخرى. "الرصاص لا يمكنه أن يهزم الأفكار" عبارة مقنعة، لكنها تبسيطية. فالأيديولوجيات، بما في ذلك عقيدة "حماس"، غالبا ما تتمتع بالمرونة ونادرا ما تختفي تماما. ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى أنه رغم الهزيمة العسكرية، فإن أيديولوجيات النازية و"القاعدة" و"داعش" لم تنطفئ بالكامل. هناك دائما عناصر تتشبث بهذه الأيديولوجيات، حيث صمد تنظيم "الإخوان المسلمين" أمام جهود متكررة لاستئصاله.
لكن هذا لا يعني أن مثل هذه الأيديولوجيات والتنظيمات لا يمكن هزيمتها إلى قدر يحولها من كونها تهديدا كبيرا إلى مجرد صداع. ونقطة البداية لأصحاب هذا الرأي هي تجريد "حماس" من البندقية.
مستقبل "حماس" وغزة عالق بين سؤالين: ماذا يريد "المرشد" علي خامنئي؟ ولماذا يواصل بنيامين نتنياهو حروبه؟
نقدم إجابات عن هذين السؤالين ضمن ملف خاص عن الذكرى 76 للنكبة وإعلان إسرائيل في 15 مايو، كما نواكب اتجاهات الثقافة والعلوم والاقتصاد في المنطقة والعالم.