اجتياح الفاشر في دارفور...الأسباب والمخاطرhttps://www.majalla.com/node/316006/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%B4%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D9%81%D9%88%D8%B1%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D8%A7%D8%B7%D8%B1
فور اندلاع الحرب في السودان في أبريل/نيسان 2023، كثفت "قوات الدعم السريع" هجماتها على ولايات دارفور الخمس بغرض الاستيلاء والتحصن في الإقليم الغربي للبلاد، وخصوصا مع انفتاح حدوده على القواعد الإقليمية في تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى التي ظلت توفر لها الدعم والإمداد المستمرين بالسلاح والوقود وبقية احتياجات الحرب اللوجستية. في مايو/أيار 2023، قامت "قوات الدعم السريع" بارتكاب مجزرة المساليت في ولاية غرب دارفور، والتي مارست فيها جرائم وانتهاكات وحشية واسعة النطاق، وقتلا وإبادة على أساس الهوية الإثنية ضد مجتمع المساليت في الجنينة وفوربرنقا وأردمتا وكرينك وغيرها من مناطق غرب دارفور.
وثق تقرير "لجنة الخبراء المعنية" بدارفور والمكونة بحسب قرار مجلس الأمن 1591، مقتل نحو 15 ألف شخص في الجنينة الى جانب دور القوى الإقليمية في تأجيج الحرب الدائرة. وشملت الاغتيالات على أساس الهوية، اغتيال خميس أبكر والي ولاية غرب دارفور، اضافة إلى عدد من زعماء مجتمع المساليت في الولاية. وكشفت تقارير المنظمات الأممية عن عدد من المقابر الجماعية للضحايا، كانت إحداها مقبرة جماعية مترامية الأطراف لما لا يقل عن 1000 من سكان مدينة الجنينة.
نتج عن كل تلك الجرائم موجة نزوح كبيرة من الولاية، ألقت مئات الآلاف من المواطنين في دوامة اللجوء إلى معسكرات اللاجئين في تشاد، بينما شردت مئات الآلاف الآخرين داخل البلاد. وبعد استيلاء "قوات الدعم السريع" على غرب دارفور، توسع نطاق عملياتها بشكل مطرد لتسيطر على ولايات جنوب ووسط وشرق دارفور، وواصلت "الدعم السريع" ارتكاب الانتهاكات نفسها التي شهدها غرب دارفور في هذه الولايات.
منذ ذلك الحين، لم تتبق سوى ولاية شمال دارفور وعاصمتها الفاشر خارج نطاق السيطرة الكلية لـ "قوات الدعم السريع". ونسبة الى ذلك، أصبحت ولاية شمال دارفور الملاذ الأكبر للنازحين من ولايات دارفور المختلفة. ظل الوجود العسكري في الولاية منقسما بين قوات حركات الكفاح المسلح الدارفورية التي أعلنت مسبقا حيادها في خضم هذه الحرب، وقوات الجيش السوداني التي تسيطر على غرب الولاية، و"قوات الدعم السريع" التي تسيطر على شرق الولاية.
لم تتبق سوى ولاية شمال دارفور وعاصمتها الفاشر خارج نطاق السيطرة الكلية لميليشيا "قوات الدعم السريع"
في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حشدت "الدعم السريع" قواتها للهجوم على ولاية شمال دارفور وعاصمتها الفاشر، لكنها تراجعت عن تنفيذ هذا الهجوم، على أثر تزايد المطالبات والتهديدات الدولية من مغبة الهجوم على الفاشر والتي أصبحت ملجأ لمئات الآلاف من النازحين الذين شردهم عنف "قوات الدعم السريع" من مناطقهم الأصلية في أنحاء دارفور المختلفة. كما كان وجود الوالي نمر عبد الرحمن (الذي ينتمي لـ"حركة تحرير السودان- المجلس الانتقالي" التي يرأسها الهادي إدريس المنضوي تحت إطار تحالف "تقدم" القريب من ميليشيا "قوات الدعم السريع")، على سدة إدارة الولاية له أثر آخر في كف يد "الدعم السريع" عن اجتياح الولاية.
مؤخرا، وجراء تزايد الانتهاكات العنصرية والإثنية المرتكبة من "قوات الدعم السريع" ضد القبائل ذات الأصول الأفريقية في دارفور، وبالإضافة إلى هزائم "الدعم السريع" وفقدانها السيطرة على مدينة أم درمان في ولاية الخرطوم، قررت حركات الكفاح المسلح الدارفورية إعلان إنهاء حالة الحياد التي تمسكت بها مسبقا ودعم الجيش، وهو ما أدى أيضا إلى انقسام داخل حركة الهادي إدريس الذي تمسك بمقعده في مجلس تنسيقية تحالف "تقدم". إذ أعلن صلاح رصاص نائب رئيس الحركة إقالة الهادي إدريس من رئاستها، وقامت مجموعة من الضباط بقيادة العميد الصادق محمد ضو البيت، المفتش العام للحركة، والعقيد صديق موسى أرباب عبد الرحمن، المسؤول عن شؤون الضباط في الحركة، والمقدم عبد القادر محمد يحيى، قائد العمليات، التي كانت تتركز في منطقة المثلث الحدودية بين السودان وليبيا، بإعلان تخليها عن موقف الحياد السابق وانحيازها للقتال إلى جانب الجيش السوداني ضد ميليشيا "قوات الدعم السريع". وهو ما تسبب في مغادرة الهادي إدريس ونمر عبد الرحمن للولاية وللسودان بأكمله.
دفعت كل هذه الأسباب- وعلى الأخص التقهقر الميداني- "قوات الدعم السريع" لمعاودة الحشد لاجتياح الفاشر، لا سيما مع توارد الأخبار عن معاودة مفاوضات منبر جدة للانعقاد مرة أخرى، وهي المفاوضات التي لا ترغب الميليشيا في الدخول إليها في وضع متقهقر عسكريا.
تضم مدينة الفاشر قيادة الفرقة السادسة من الجيش السوداني كما تشمل منشآتها مطارا دوليا هو الأكبر في دارفور
تقع الفاشر في قلب إقليم دارفور، وقد كانت تاريخيا عاصمة لسلطنة دارفور التي أسسها سليمان سولونق واستمرت قرابة خمسة قرون، من سنة 1445 وحتى 1916. في بداية فترة حكم سلاطين دارفور، كانت السلطنة تُدار من جبل مرة.
ولكن السلطان عبد الرحمن الرشيد قرر في فترة حكمه (1787-1802) نقل مركز الحكم إلى منطقة أكثر مركزية، وذلك بسبب تحديات إدارة السلطنة التي اتسعت أرجاؤها من تلك المنطقة الجبلية. واختار السلطان الرشيد وادي رهد تندلتي، الواقع في سهول دارفور، لإقامة فاشره الجديدة، (وكلمة الفاشر تعني قلعة السلطان أو مجلسه) وذلك لما تتمتع به المنطقة من مزايا زراعية وصلاحيتها للرعي وتربية الحيوانات.
بدأ السلطان الرشيد في تشييد قصره الأول على الضفة الشمالية للوادي، وتلا ذلك بناء منازل للحاشية والحرس. وبمرور الوقت، توافد الناس إلى فاشر السلطان، مما أدى إلى تحولها لمدينة مأهولة. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الفاشر العاصمة الإدارية لدارفور، وهي المكانة التي لا تزال تحتفظ بها حتى اليوم.
وحاليا، فإن المدينة التي تبعد 802 كيلومتر من العاصمة الخرطوم هي العاصمة الإدارية لولاية شمال دارفور، أكبر ولايات إقليم دارفور من حيث المساحة وعدد السكان، ويبلغ عدد سكان الولاية نحو مليون وثمانمائة ألف نسمة، بالإضافة إلى نحو ستمئة ألف نازح من مختلف أنحاء دارفور، وردوا إليها بعد اندلاع الحرب. وتضم مدينة الفاشر قيادة الفرقة السادسة من الجيش السوداني كما تشمل منشآتها مطارا دوليا هو الأكبر في دارفور. ويعيش سكان الفاشر وولاية شمال دارفور عموما في ظل حصار قاسٍ أدى إلى أوضاع إنسانية غاية في المأساوية وصلت إلى درجة وفاة طفل من الجوع كل ساعتين في معسكر زمزم للاجئين الذي يقع في الولاية بحسب ما أوردته منظمة أطباء بلا حدود.
ومنذ 14 أبريل الماضي، بدأ جنود "قوات الدعم السريع" في الاحتشاد حول المدينة استعدادا لهجوم وشيك، وهو ما أثار قلق جهات دولية وإقليمية متعددة. وأصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بيانا طالب فيه الأطراف بوقف التصعيد العسكري في الفاشر. كما أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانا بمضمون مماثل. وصرحت ليندا توماس غرينفيلد، المبعوثة الأميركية لدى الأمم المتحدة، للصحافيين، يوم الاثنين الماضي 29 أبريل 2024 بأن المدينة "على حافة مذبحة واسعة النطاق". مضيفة أن هناك بالفعل "تقارير موثوقة" تفيد بأن "قوات الدعم السريع" والميليشيات المتحالفة معها "قد دمرت قرى متعددة غربي الفاشر". ودعت ميليشيا "قوات الدعم السريع" إلى إنهاء حصارها وحشدها للقوات العسكرية حول الفاشر، والامتناع عن أي هجوم على المدينة.
انتهاكات "الدعم السريع"
وحاليا تفيد التقارير الميدانية بأن "قوات الدعم السريع" قد دمرت وأحرقت ما لا يقل عن 16 قرية غربي مدينة الفاشر على مدى الأيام الماضية، بحسب ما وثقته مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، واتسمت هجمات ميليشيا "قوات الدعم السريع" بحسب هذه التقارير بالعنف العشوائي المفرط، بما في ذلك العنف الجنسي، ونهب المتعلقات الشخصية من المنازل والأسواق وهدم المنشآت السكنية والتجارية، وسرقة الماشية، وتدمير المحاصيل.
وهو ما أدى إلى موجة نزوح ثانية لأعداد كبيرة من الذين كانوا قد اتخذوا من الفاشر والمناطق المحيطة بها ملاذا آمنا هربا من الجحيم الذي فتحت الميليشيا نيرانه عليهم في مناطق إقليم دارفور الأخرى. فيما أورد أيضا تقرير صادر عن مختبر البحوث الإنسانية بجامعة ييل، بتاريخ 29 أبريل 2024، تأكيدات بصرية وصور أقمار صناعية دقيقة لتورط "قوات الدعم السريع" في إحراق المجتمعات السكنية والقرى حول وفي مدينة الفاشر، خصوصا على امتداد الطريق بين الفاشر ومدينة مليط التي تقع إلى شمالها وأقرب إلى الحدود الليبية والتي كانت ميليشيا "قوات الدعم السريع" قد استولت عليها في وقت سابق من أبريل 2024.
يعيد الهجوم الوشيك على مدينة الفاشر، مع نمط الانتهاكات المعتاد الذي ترتكبه جحافل "قوات الدعم السريع" في كل مكان تصل إليه، ما حدث عند اجتياح الميليشيا لولاية الجزيرة في 15 ديسمبر/كانون الأول 2023. حيث كانت ولاية الجزيرة قد احتضنت نحو مليوني نازح من العاصمة الخرطوم والتي دمرتها الحرب وشردت معظم سكانها البالغ عددهم 8 ملايين نسمة. فيما أصبحت عاصمة ولاية الجزيرة (ود مدني)، مركزا للعمليات الإنسانية لمعظم المنظمات ووكالات الإغاثة الدولية العاملة في المجال الإنساني.
كما ساهم وجود بنية تحتية معقولة وشبكة طرق تربط مدني بأغلب مدن البلاد- بالإضافة إلى قربها النسبي من الخرطوم- في انتقال المصانع وأنشطة التصنيع الغذائية إليها وسط آمال بإمكانية معاودتها للعمل. ولكن هجوم ميليشيا "قوات الدعم السريع" أدى إلى تعطيل كل هذه الأنشطة. وأطلقت الميليشيا نيران جحيمها وانتهاكاتها التي شملت القتل العشوائي والنهب واغتصابات النساء والأشكال المتنوعة للعنف الجنسي الذي مارسته قواتها، وهو ما تسبب في موجة نزوح ثانية على نطاق واسع أثرت على نحو 800 ألف من المواطنين الذين حاولوا إعادة تأسيس حياتهم بعد خروجهم من الخرطوم.
لا يمكن استبدال جيش دولة بميليشيا قطاع خاص، مملوكة لفرد واحد وأفراد أسرته، وذات امتدادات اقتصادية وخارجية وسياسية
كما أدى نهب "قوات الدعم السريع" لمستودعات ومخازن صندوق الغذاء العالمي في ولاية الجزيرة والتي كانت تحتوي مخزونا يكفي لإطعام ما يقرب من 1.5 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد، بالإضافة إلى أغذية متخصصة تهدف إلى الوقاية ودعم علاج سوء التغذية لأكثر من 20 ألف طفل وامرأة حامل وأم مرضعة إلى إيقاف أعمال الإغاثة التي كان يقوم بها الصندوق في المنطقة. ذلك غير أن الهجوم على ولاية الجزيرة أدى إلى إيقاف وتعطيل حصاد وزراعة نحو مليونين و200 ألف فدان بالمحاصيل الغذائية وهو ما ساهم بشكل مباشر في كارثة المجاعة التي يعيش فيها السودان حاليا، كما برز نمط إفساد المحاصيل الزراعية ونهج قوات الميليشيا في محاولة تدمير الأراضي الزراعية بشكل منهجي بعد اجتياحها لولاية الجزيرة.
سردية "الهامش والمركز"
يتزايد تخوف جميع المراقبين للحرب في السودان، من أن يؤدي اجتياح "قوات الدعم السريع" لكارثة مماثلة. خصوصا مع تصاعد نبرة خطاب سياسي يحاول تبرير حرب "الدعم السريع" عبر سردية ارتباط حرب "قوات الدعم السريع" بقضية الهامش والمركز في السودان والذي يحاول منح الميليشيا نبل تمثيل الهامش السوداني وثوراته- السلمية منها والمسلحة، على حد تعبير أحد قيادات تحالف "تقدم".
هذه السردية المتهافتة تحاول إيجاد مبرر أخلاقي لحرب الميليشيا في سياق الارتباطات الداخلية والخارجية التي تجمعهم بها. وتهافتها لا يحتاج إلى كثير من الحبر لتعريته، فجرائم وانتهاكات "الدعم السريع" المستمرة ضد مجتمعات المساليت والزغاوة وغيرهما من مجتمعات الهامش السوداني والتي شملت التهجير المنظم والقتل الجماعي والاغتصاب والاستعباد الجنسي والاضطهاد وحصار التجويع وغير ذلك كفيلة بتعريتها. ناهيك عن أن الثورة التي شارك فيها سودانيون من مختلف الأطياف السياسية هي تراكم فعل جماعي يهدف لتحقيق مصالح جمعية لأهل السودان، وليس لنهب وتشريد واغتصاب وتهجير فئات اجتماعية بعينها في السودان. فالثورة فعل بناء إيجابي وليست ممارسة للانتقام، وبالتأكيد ليست لممارسة الإجرام الذي شهدناه عيانا بيانا من ميليشيا "قوات الدعم السريع".
محاولة تصوير "الدعم السريع" كأداة عمل ثوري، أو تصوير جرائمها وأفعالها في خضم هذه الحرب كخطوات في طريق الإصلاح الهيكلي لمؤسسات الدولة، واستلاف الخطاب اليساري عن نقد منتجات دولة ما بعد الاستعمار، هو سعي حثيث لإطالة أمدها وبالتالي إطالة أمد المعاناة المترتبة عليها والناتجة بشكل أساسي من الانتهاكات التي ترتكبها الميليشيا. وكما أن الترويج لهذه السردية يمهد لإيقاف الحرب عبر معادلة تقاسم جديد للسلطة بين الأطراف التي تحمل السلاح، واعتبار أفعالهم- أو بالأصح انتهاكاتهم وجرائمهم من قبيل المقبول القابل للتبرير السياسي.
التعريف الصحيح لهذه الحرب أنها تدور بين طرفين سيئين، يتصارعان على السلطة التي شاركا في الانقلاب على المدنيين من أجل الانفراد بها، وكلاهما من منتجات دولة الاستعمار التي أنتجت أيضا النظام الصحي في السودان وجامعة الخرطوم ومدرسة خور طقت الثانوية، وهذه مؤسسات دولة تحتاج إلى إصلاح، وإصلاح فسادها وانحرافها عن أداء الأدوار الموكلة لها لا يتم باستبدالها بقطاع خاص.
كما أن الجيش- وهو أيضا مؤسسة دولة تحتاج إلى إصلاح للقيام بمهامها ودورها المطلوب منها- لا يمكن أن يتم استبداله بميليشيا قطاع خاص، مملوكة لفرد واحد وأفراد أسرته، وذات امتدادات اقتصادية خارجية وسياسية، ناهيك عن طبيعتها الفاشية المتأصلة فيها منذ تأسيسها كأداة قمع في خدمة نظام البشير الذي ثار عليه السودانيون لإسقاطه ومحو آثاره.
لقد اندلعت الحرب في 15 أبريل 2023، عندما حاولت هذه الميليشيا الاستيلاء على جهاز الدولة بأكمله للزود عن استمرار بقائها المؤسسي المستقل بكل ما يوفره لها هذا الاستقلال المؤسسي من امتيازات لا تخدم الشعب السوداني في شيء، بل يتم تسخيره لخدمة محاور ومصالح إقليمية، لم تتوان في دعم استمرار هذه الحرب.
هذه الحرب لا تدور بين طرف نبيل يمثل الهامش وطرف شرير يمثل المركز. هذه الحرب تدور بين طرفين سيئين، ميليشيا ذات طبيعة فاشية تعتمد على العنف والقهر والإجرام المنهجي والتغنيم والتجنيد العابر للحدود لخدمة مصالحها ومصالح رعاتها الإقليميين، ومؤسسة جهاز دولة فاسدة، تحتاج إلى إصلاح عميق وهيكلي.
محاولة تبرير ممارسات هذا الطرف أو ذاك بسبب تعقيدات التاريخ السياسي في السودان هو مشاركة في إطالة أمد الحرب عبر "دغمسة" أو طمس التشخيص الواضح لطبيعة الأزمة في السودان. وهذا التشخيص المضلل لا يختلف عما تفعله منصات إعلامية محسوبة على ميليشيا "الدعم السريع"، والتي تسعى لتزييف سردية إعلامية وتصوير مالك الميليشيا محمد حمدان دقلو (حميدتي) على أنه جون قرنق جديد، في تصوير فاسد يضر بالسودان والسودانيين وبقاء الدولة السودانية. وهذا خط سياسي تجب محاربته من أجل إنهاء هذه الحرب والحفاظ على وجود البلاد والاستقلال.
الاستسلام لمثل هذه السردية والتحليل، يطمح لفرض واقع جديد لقسمة سلطة بين أولئك الذين يحملون السلاح وحلفائهم وهذا هو أسوأ ما يمكن أن يحدث لمستقبل السودان. وإصلاح المؤسسة العسكرية- وكافة أجهزة الدولة- لا يحدث عبر دمج العناصر الفاسدة مع بعضها البعض في مزيج فاسد كبير.
وكما أن اختزال عملية الإصلاح الأمني العسكري في مجرد دمج القوات وتوحيد قيادتها، ليس صحيحا ولن يؤدي إلا إلى مزيد من الانقلابات العسكرية ومزيد من عسكرة الحياة.