[caption id="attachment_685" align="aligncenter" width="620" caption="التصدير سبيل أميركا للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة"][/caption]يعد الجدال حول تعافي أميركا الاقتصادي على المدى البعيد جدالا مضنيا، فالجمهوريون يرغبون في حكومة أصغر طالما أنهم لا يديرونها، فيما يرغب الديمقراطيون في الحد من الإنفاق طالما أنهم لا يهيمنون على البيت الأبيض. ويبدو أن كلا الحزبين يفتقر للابتكار. فهم يتحدثون في بعض الأحيان حول الابتكار ويتحدثون في أوقات أخرى حول إصلاح التعليم. ولكن ربما ما يفتقده الزعماء من كلا الجانبين هو فكرة بسيطة: يجب على أميركا أن تعيد اكتشاف نفسها كاقتصاد يعتمد على التصدير. فالتصدير يوفر فرص عمل ويجلب الثروات لأميركا وللأميركيين. وفي خطابه للاتحاد، تحدث الرئيس باراك أوباما حول توفير 300 ألف فرصة عمل نظرا للصفقات التجارية مع الدول الآسيوية. كما أعرب عن اهتمامه بإصلاح التعليم.
ويرى الخبراء ثغرات في حجج كلا الجانبين. ففي اتفاقية تصدير 45 مليار دولار إلى الصين، يقول العديد من المحللين إن ذلك الارتفاع المحتمل في الصادرات الأميركية يأتي على خلفية نقل أميركا لتكنولوجيا الطائرات إلى الصين التي تعتزم نسخها. وعندما تتمكن الصين من تصنيع أولى طائراتها، سوف يسافر الأميركيون في طائرات صنعت في الصين.
وفي ما يتعلق بالتعليم، يقول كثيرون إن المدارس الأميركية تعاني من عيوب أساسية. فحتى في الأماكن التي وفرت فيها الحكومة التمويل اللازم، ما زال تصنيف الطلاب ضعيفا بالمعايير الدولية.
أليس ذلك محيرا؟ ليس في الواقع. فأميركا متأخرة في ما يتعلق بالتصدير والابتكار. ويعد التعليم انعكاسا لذلك. والسبب بسيط، فقط انظر لألمانيا لكي تدرك سبب استمرار ألمانيا - دولة متقدمة ليس لديها عمالة رخيصة - كمنافس في التصنيع والتصدير. فالألمان أدركوا أنه لكي تستطيع دولة متقدمة أن تستمر في التنافس، يجب عليها استبدال نموذج المساهمين shareholder بنموذج أصحاب الحق stakeholder، فالمساهمون أشخاص يشترون أسهما في شركة محددة، وغير مهتمين بسلامة الشركة على المدى البعيد، فهم يرغبون في الحصول على الربح الفوري. وعندما تبدأ الشركة في الانهيار، ينتقل المساهمون إلى شركة أخرى تحقق عائدات مرتفعة. وكلما ارتفعت العائدات التي تحققها الشركة على أسهمها، ارتفعت العلاوات التي يحصل عليها التنفيذيون. وطالما كان المساهمون والتنفيذيون يحققون ربحا سهلا، ينظر إلى الشركات باعتبارها شركات ناجحة.
ومن جهة أخرى، قلصت شركات الطيران الأميركية خلال العقد الماضي المساحة المخصصة للمقاعد والوجبات المجانية التي تقدمها، وبدأت تتقاضى أجرا على البضائع. ومنذ احتكرت الخطوط الجوية الأميركية الرحلات المحلية، أصبحت في تنافس حول من يستطيع تقديم خدمة أكثر رداءة بأسعار منخفضة ويستمر في تحقيق الربح.
ومقارنة بالمنافسين العالميين، لا يرغب أحد في السفر على خطوط الطيران الأميركية بالخارج. ولكن جماعات الضغط أقنعت الكونغرس بالموافقة على «قانون الطيران الأميركي». وبالتالي أصبح على المتعهدين الفيدراليين تقديم رحلات على الخطوط الأميركية لأي شركة تمولها الحكومة الأميركية. وبمعنى ما، نجحت جماعات الضغط من أجل الخطوط الجوية الأميركية في فرض تعريفة من نوع ما على الرحلات التي تمولها الحكومة.
ومع ذلك، فلا تعني الحماية الحكومية الجزئية أن خطوط الطيران الأميركية تنافسية في جميع أنحاء العالم أو مزدهرة كنموذج مالي.
وفي ألمانيا، تأثرت مصانع السيارات الشهيرة بالعولمة والتنافسية العالمية. وبدلا من التراجع أو تسييل الأصول الرأسمالية لتحقيق أقصى ربح في ربع السنة، دعت مصانع السيارات الألمانية لاجتماع مع المساهمين واتحادات العمال، والمسؤولين الحكوميين وأساتذة الجامعات وعمد المدن التي تقع بها المصانع وغيرهم. فكل هؤلاء يرغبون في أن يروا صناعة السيارات الألمانية تنافسية ومزدهرة. وهو ما يجعلهم «أصحاب حق».
وقد أخبرت مصانع السيارات الجميع بأن المصانع كانت البقرة التي يحتاجها الاقتصاد الألماني لكي توفر له النقد. وبالتالي، يتحمل الجميع مسؤولية تقديم تنازلات هنا أو هناك لضمان استمرار تنافسية الصناعة على المستوى العالمي. وعندما وافق الجميع على تقديم تنازلات، تمكنت صناعة السيارات الألمانية من الحفاظ على جودتها العالية بأسعار تنافسية. وما زالت مصانع السيارات مفتوحة في ألمانيا وإلى جانبها استمرت الأبحاث والتنمية والمؤسسات التعليمية في تلك المدن الألمانية.
إن نموذج المساهمة الأميركي والمعروف باسم «أميركا الشركات» كان قد استشرى كالسرطان الذي قضى على كل الأبقار التي تدر النقد. ولكن الاقتصاد الأميركي حافظ على بعض العناصر الحيوية التي بقيت حتى الآن مثل السوق الاستهلاكية الضخمة. ولا تستطيع تلك السوق البقاء من دون التصنيع الذي يوفر المال للمستهلك. ومع ذلك فإن سرطان «أميركا الشركات» ابتكر وسيلة أخرى للبقاء: الدين الوطني وبطاقات الائتمان العائلية.
ولكن الدين لا يستطيع الاستمرار وحده. ففي سبتمبر (أيلول) 2008، انهارت خدعة الدين. وتدخلت الحكومة لتقديم يد المساعدة ولكن حتى الحكومة لا تستطيع العيش على الدين للأبد.
إن علاج الاقتصاد الأميركي يقتضي التخلص من سرطان «أميركا الشركات» من خلال تقليصها إلى حجم أصحاب الحق الآخرين. وقد كان الحد من المغامرات البنكية والائتمانية ونفوذ قوة جماعات الضغط الخاصة بالشركات أحد الخطوات التي اتخذها أوباما في الاتجاه الصحيح مع غرس مفهوم أصحاب الحق حتى يجعل من الصعب على «أميركا الشركات» التصنيع بالخارج وإغراق السوق الأميركية بتلك المنتجات.
عندما يعود التصنيع الأميركي للداخل، سوف تصلح السوق التعليم الذي يولي عناية للابتكار مثلما كان الوضع في السابق عندما كان المساهمون مسؤولين مثل أي شخص آخر.
*حسين عبد الحسين
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.