ريم بسيوني بعد فوزها بـ "جائزة الشيخ زايد": لفهم التاريخ علينا القراءة بين السطورhttps://www.majalla.com/node/315991/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D8%A8%D8%B3%D9%8A%D9%88%D9%86%D9%8A-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D9%81%D9%88%D8%B2%D9%87%D8%A7-%D8%A8%D9%80-%D8%AC%D8%A7%D8%A6%D8%B2%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%B2%D8%A7%D9%8A%D8%AF-%D9%84%D9%81%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%86%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86
تميزت الروائية المصرية د. ريم بسيوني بكتابة الثلاثيات وهي روايات "القطائع ثلاثية ابن طولون"، "أولاد الناس ثلاثية المماليك"، و"الحلواني ثلاثية الفاطميين" وقد أهلتها الأخيرة للفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب (فرع الآداب) للعام 2024. كما فازت من قبل بجائزة ساويرس للثقافة عن روايتها "الدكتورة هناء"، وجائزة أحسن عمل مترجم في الولايات المتحدة الأميركية عن روايتها "بائع الفستق"، وجائزة نجيب محفوظ للأدب من المجلس الأعلى للثقافة عن روايتها "أولاد الناس".
يرتكز اختيار بسيوني الارتحال إلى ما وراء السنين واستحضار العديد من الأحداث التاريخية إلى الواجهة، على بحث علمي جاد ومحكم استطاعت توظيفه لكي تقدّم الى القراء رؤيتها الخاصة وتطرح العديد من المفاهيم الجديدة. عن هذا تحدثت الروائية المصرية إلى "المجلة" في هذا الحوار.
تناولتِ في روايتك "الحلواني ثلاثية الفاطميين" شخصية الوزير بدر الجمالي الذي لم يكتب عنه أحد من قبل، فما هي مصادرك التاريخية؟
شخصية الوزير بدر الجمالي مهمة جدا وكان لديه أكثر من عشرة ألقاب منها ما أطلقها على نفسه أو أطلقها الآخرون عليه مثل "السيد الأجَل" و"أمير الجيوش"، لأنه كان من أهم الشخصيات الموجودة في التاريخ المصري الإسلامي في العصور الوسطى، وقد أنقذ مصر من المستنصرية، وهو من قسمها 28 محافظة، وما زلنا ضمن هذا التقسيم إلى حد كبير الى اليوم.
بدر الجمالي هو من أدخل المسيحيين والمسلمين إلى الجيوش معا، وهذا أمر بالغ الأهمية، فالجمالي شخصية شديدة التركيب، ولديه جانب إنساني وروحاني عالٍ جدا، ولديه طموح وسلطة قوية، فهو شخصية تحتاج منا أن نمنحها حقها التاريخي. ولكي أكتب عن بدر الجمالي، اضطررت إلى البحث في مصادر كثيرة جدا، فالمصادر الفاطمية قليلة عامة والمصادر المكتوبة عن الفاطميين يوجد فيها في بعض الأحيان بعض التحامل، مثلا عندما أنظر إلى كتابات المماليك عن الفاطميين أجد فيها تحاملا، لذلك وجب عليّ القيام ببحث علمي قوي لكي أكتب عن العصر الفاطمي، ربما كانت "الحلواني" أصعب رواية بين الثلاثيات التي كتبتها، لقلة المصادر عن الفاطميين، فاعتمدت على مصادر أجنبية وعربية وقديمة. واستعرضت بداية العصر الفاطمي وتألقه، من ثم كيف انتهى العصر وكيف زالت هذه الدولة.
فترات مختلفة
استعرضت أيضا في هذه الرواية شخصية جوهر الصقلي الذي بنى القاهرة، ونهاية العصر الأيوبي، وصولا إلى الحروب الصليبية، فما الهدف من استعراضك تلك الحقبة التاريخية؟
عندما أكتب عن هذه الدولة أو عن فترة المماليك أو الدولة الطولونية، أحتاج إلى أن أكتب ثلاثية، فكان الجزء الأول منها عن بناء القاهرة وعن جوهر الصقلي، والثاني عن بدر الجمالي، والأخير يتكلم عن نهاية دولة الفاطميين على يد صلاح الدين الأيوبي وعودة مصر إلى الخلافة العباسية، فكنت أحتاج إلى رواية بثلاثة أجزاء، لكي يكون لدى الناس فكرة كاملة على العصر الفاطمي. تعرفين أنه من غير الممكن أن نقول عنه كل شيء، فهناك فترات جيدة وفترات لم تكن سهلة.
كم من الزمن تطلبت منك كتابة رواية "الحلواني ثلاثية الفاطميين" وما التحديات التي واجهتك؟
كل ثلاثية من الثلاثيات تتطلب مني ثلاث سنين أو سنتين ونصف السنة، لكني منذ اثنتي عشرة سنة وأنا أجري أبحاثا عن القرون الوسطى والدولة الإسلامية في العالم العربي كله، فالأبحاث هذه تكوّن لديّ فكرة شاملة عن الدول المختلفة، أقرأ عنها كلها في الوقت نفسه. مثلا قرأت عن العصر الطولوني وأنا أكتب "ثلاثية المماليك"، وقرأت عن العصر الفاطمي وأنا أكتب عن "العصر الطولوني"، أي من اللازم القراءة عن كل الفترات التاريخية حتى نهاية العصور الوسطى في الدولة الإسلامية بما فيها الخلافة العباسية والخلافة الفاطمية.
البحث العلمي بالنسبة إليّ ممتع جدا، وفي الأساس تخصصي علم اللغة الاجتماعي وعلاقة اللغة بالمجتمع، وعندما أريد أن أفهم هذه العلاقة عليّ أن أنظر إلى التاريخ، فالتاريخ جزء من البحث العلمي الذي أجريه.
هاجس التاريخ
ما الهاجس الذي يجعلك تعودين دائما إلى التاريخ؟
كان لديّ مشروع معين وهو الكتابة عن الدول الثلاث التي أثرت في الهوية المصرية والهوية العربية كلها، وهي دولة المماليك والدولة الطولونية ودولة الفاطميين، لذلك كان مشروعي كتابة ثلاث ثلاثيات، كل واحدة منها تتكلم على فترة مهمة جدا في العصور الإسلامية في القرون الوسطى، وقد أثرت هذه الفترات من ناحية الأدب والتجارة والآثار وحتى في أنواع الحلويات، ففكرة الحلواني تتكلم على الحلويات التي ظهرت في العصر الفاطمي مثل "عروسة المولد" والقطايف" في مصر.
هناك من يرى أن التاريخ يكتبه المنتصرون، فهل تثقين بالمعلومات التاريخية؟
يجب أن ننظر إلى التاريخ من مصادر مختلفة وكثيرة جدا، فعندما نظرت إلى التاريخ الإسلامي وتاريخ المماليك كان عليّ أن أبحث في المصادر التي كتبها الرحالة الإيطاليون عن المماليك وفي المصادر المكتوبة باللغات غير العربية، وعلينا أن ننظر إلى المصادر المكتوبة ونعرف إطار كتابة هذه المصادر التاريخية، فمثلا عندما أتناول شخصية مثل صلاح الدين الأيوبي فقد كتب عنه ثلاثة مؤرخين مهمين، واحد منهم كان مع المجموعة التي تحارب ضد الأيوبي ومن الطبيعي ألا نأخذ كلامه على أنه صحيح، ومؤرخ آخر كان مع الأيوبي وشهادته لن تكون صحيحة تماما، وهناك مؤرخون لم يكونوا مع أو ضد، لذلك علينا ألا نعتمد على مصدر واحد لأجل أن نقرأ ما بين السطور ونفهم التاريخ بشكل أكبر.
تطور الفكر الصوفي
وقعتِ عام 2020 عقدا لتحويل روايتك "أولاد الناس... ثلاثية المماليك" إلى عمل درامي. لماذا لم نرَ العمل بعد؟
بالنسبة إلى "أولاد الناس" كان الكاتب وحيد حامد متشجعا للغاية لتحويلها إلى عمل درامي، ولكن توفاه الله ولم يكتمل المشروع وأتمنى أن يكتمل قريبا.
الكثير من الممارسات ليست جزءا من التاريخ الصوفي بل هي عادات وتقاليد المجتمعات لا علاقة لها بالصوفية نفسها
بحثتِ في الفكر الصوفي وأصدرت "البحث عن السعادة رحلة في الفكر الصوفي وأسرار اللغة"، فما خصوصية هذا الكتاب؟
هو كتاب علمي مكتوب بأسلوب سلس، ويعطي فكرة للناس عن تاريخ تطور الفكر الصوفي من العصر الأموي الى العصر المملوكي، كونه كتابا يعتمد على المصادر العلمية ويحاول شرح بعض النصوص الصوفية الأصلية، أي لا يتكلم على الصوفية بشكل عام فقط، لكن يحاول فهم اللغة التي يستخدمها الصوفيون وهي مهمة جدا.
فهناك الكثير من الناس يسيئون فهم الصوفية، ووراء ذلك سببان، الأول وجود حملات تشويه للفكر الصوفي، والثاني وجود عادات وتقاليد ليست لها علاقة بالصوفية التاريخية التي أتكلم عليها في الكتاب، فحاولت أن أبيّن بكل موضوعية الأمور التي تؤخذ ضد الفكر الصوفي، وأن أوضح أن الكثير من الممارسات ليست جزءا من التاريخ الصوفي بل هي عادات وتقاليد المجتمعات وليست لها علاقة بالصوفية نفسها.
كيف تقيمين الرواية العربية اليوم؟
الرواية العربية في حالة جيدة، ووجود جوائز يشجع الكتاب على التفوق في كتابة الرواية، وممكن أن يكون الوضع أفضل، كما أرى أن هناك عددا كبيرا من القراء العرب وهو أمر جيد جدا.