دخلت العلاقات بين الجزائر والنيجر أزمة دبلوماسية جديدة، بسبب ظاهرة الهجرة السرية التي ازداد عبؤها على كاهل الحكومة الجزائرية. فالبلاد اليوم تواجه لجوءا أكبر من ذلك الذي عرفته قبل نحو 10 سنوات من هذا التاريخ ويمكن حتى إطلاق وصف "النزوح الكثيف" على التدفق الكبير للمهاجرين غير الشرعيين على الحدود الجنوبية للجزائر.
وارتفعت هذه المرة نبرة الاتهامات والانتقادات الموجهة من طرف سلطات نيامي إلى الجزائر بسبب ملف ترحيل مهاجرين غير نظاميين في قرار يفتح صفحة جديدة من الأزمة بين البلدين الجارين.
وبعد يومين فقط من استدعاء سلطات نيامي لسفير الجزائر احتجاجا على ترحيل بعض مواطني النيجر المقيمين فوق التراب الجزائري بشكل غير قانوني، ردت الجزائر بالمثل وفق ما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية، فاستدعت سفير النيجر لديها، أمينو مالام مانزو، واستقبل من طرف المديرة العامة لأفريقيا بالوزارة سلمى مليكة حدادي كرد فعل على ما قامت به السلطات النيجرية التي أوكلت مهمة استقبال السفير الجزائري للأمين العام لوزارة خارجيتها وهو ما يؤشر على تأزم الوضع وتفاقم حدة الاحتقان بين البلدين.
وبعيدا عن الأسباب التي نُسبت لها الأزمة هذه المرة، فإن موقف النيجر جاء ضمن سياق استثنائي تطبعه المواقف العدائية تجاه الجزائر على مستوى منطقة الساحل الأفريقي ويمكن هنا الإشارة إلى مواقف النخب العسكرية الجديدة في دول الساحل الأفريقي والمسنودة بفاعلين إقليميين ودوليين، فالوضع اليوم ليس مجرد "سحابة صيف عابرة" بل يبدو أنها خارطة الواقع الجديد.
شماعة لتغطية الأسباب الحقيقية
ويقول في هذا المضمار عبد الرفيق كشوط، الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة محمد الصديق بن يحيي في حديثه مع "المجلة" إن "العلاقات مع النيجر لا تبدو إطلاقا في أحس أحوالها، لا سيما مع الأزمة التي شهدتها هذه الأخيرة على الرغم من حسن النية الذي تعاملت به الجزائر تجاهها واعتبار الأمن والاستقرار في النيجر مهما للحفاظ على بقاء الدولة في هذه المنطقة المجاورة والحيلولة دون انهيارها. غير أن نيامي قابلت ذلك بنوع من عدم الرضا للوساطة الجزائرية.
ويعود ذلك إلى كثير من الأسباب أهمها ارتباط القادة الجدد بسياسات وأموال خارجية". فمسألة إعادة المهاجرين غير الشرعيين لبلدانهم واعتراض النيجر على ذلك وفق المحلل السياسي ليس إلا "شماعة للتغطية على الأسباب الحقيقية التي كانت وراء تشنج العلاقات مع الجزائر".
واللافت للانتباه أن "السلطات الجزائرية استعملت الإجراءات نفسها التي استعملتها سابقا لنقل المهاجرين، ولم تظهر سلطات نيامي حينها أي اعتراض، ثم إن إجراء نقل المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم هو إجراء سيادي تؤطره لوائح وقوانين الأمم المتحدة. وهنا طبعا للجزائر أسبابها ودوافعها للقيام بهذا الإجراء خاصة تلك المرتبطة بالجوانب الأمنية. فالهجرة السرية باتت تؤثر بشكل كبير على الاستقرار والسكينة الداخلية للجزائريين لأن البلاد تشهد تدفقات غير مسبوقة للمهاجرين السريين".
وتتطابق تصريحات المحلل السياسي مع ما أدلى به مسؤول في دائرة الهجرة بوزارة الداخلية الجزائرية السابق حسان قاسمي للإذاعة الحكومية، إذ حذر من وجود "مخطط لإغراق جنوب الجزائر بالمهاجرين".