مذ قررت نقابة الفنانين السوريين منع بعض المغنين من إقامة حفلات داخل سوريا في عام 2023، واشتراطها عدم التفوه بكلمات بذيئة خلال الحفل، تصاعد لغط كبير حول ماهية الأغنية وما ممكنات القول فيها ومدى أهمية أخلاقيتها، ومن هو الفنان أيضا، والأهم كيف فقدت أي سلطة مرجعية قدرتها على ضبط هذا الواقع؟
يوما بعد يوم، يزداد شغف المواهب في التعبير عن نفسها، ذلك أن هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا المعاصرة جعلت منها أداة تسويقية أتاحت مساحة للجميع، وغذت مشاعر حب الظهور، فحقق كثر من الفنانين في سوريا نجاحا وشهرة، في زمن تضافرت فيه عناصر كثيرة كالحرب وغياب الرقابة وتكاثر رؤوس الأموال المنهوبة التي أصبحت في قبضة صناع الفن، لتصبح المقولة السائدة هي "الفن لمن يملك المال" وليصبح من الصعب إحصاء أعداد الفنانين والمغنين في المشهد السوري.
في البداية كان "يوتيوب" بوصلة كلّ باحث عن حلمه الضال، لتضاف إليه منصات البث اليومي مثل "تيك توك" و"بيغو"، وتساهم في تعميق حالة الفلتان الفني أو انفجار المواهب، فدفعت بالموهوبين إلى إقامة حفلات إلكترونية يومية، أو نشر الأغاني على تلك المنصات.
الفن الشعبي
ازدهر سوق الأغنية الشعبية في سوريا خلال السنوات الأخيرة، وهي أغنية لا تتمتع إلا نادرا ببعد تراثي. فما راج سابقا بوصفه شعبيا في سوريا، بدأ بكلمات ومقاطع غنائية شعرية، تمثل اليوميات ونطاق التعبيرات العادية في القرى والأرياف، وخاصة في الساحل السوري، تحول خلال السنوات الماضية إلى وجهة أخرى، فاستبقي اللحن البسيط الذي يفتقر إلى الدراية الموسيقية، ثم اختفت الكلمات التراثية مع الحفاظ على بعد ريفي أو كلمات ريفية، فالتراث السوري الغنائي بات منسيا (الموشحات والطرب الحلبي، أو تراث اللاذقية والمواويل والأغاني القروية الموسمية في الساحل)، حتى على مستوى المؤسسات الثقافية الحكومية ومهرجاناتها العامة.