يستعيد الباحث والروائي السوري تيسير خلف عبر روايته الجديدة، "المسيح الأندلسي"، الصادرة أخيرا عن "منشورات المتوسط" (إيطاليا)، مرحلة تعدّ الأقسى في التاريخ الإسلامي في الأندلس، ألا وهي مرحلة "محاكم التفتيش" وما تعرض له المسلمون هناك من اضطهاد، واضطرارهم إلى إخفاء دينهم الحقيقي وإدعاء الدين المسيحي أمام الملأ.
وبهدف إظهار هذا الظلم التاريخي، الذي لم يحظَ بالاهتمام الكافي، يسعى تيسير خلف عبر سرد روائي مشوق إلى اقتفاء سيرة بطله عيسى بن محمد الأندلسي في أسفاره ومغامراته المتعددة، وقبل كل ذلك في ثورته الشخصية على واقعه، إذ كان يمكن لهذا البطل الروائي أن يمضي حياته كلها كرجل "إسباني كاثوليكي صالح"، يدعى خيسوس غونثالث لولا بضع كلمات أوصت بها أمه وهي تودّع الحياة بأن يخبره بها خاله حين يرى أنه بات أهلا لذلك، تلك الكلمات هي: "أنت عربي مسلم، واسمك عيسى بن محمد". هذه الجملة توقظ في روحه "جينات الرضا والانتقام معا"، لتبدأ رحلاته وأسفاره بحثا عن قاتل والدته، ولنكتشف عبر الصفحات أنه نموذج للظلم التاريخي الذي لحق بالموريسكيين في شبه الجزيرة الأيبيرية.
الطريق الوعر
كان متاحا لتيسير خلف، في روايته هذه، المهداة إلى الشاعر السوري نوري الجراح، أن ينساق وراء خياله الروائي، وأن يدوّن سيرة بطله بخفة وتساهل، دون اكتراث بالكثير من التفاصيل التاريخية التي تتطلب الحذر والحرص، بيد أنه آثر الطريق الوعر والصعب والشاق، ليقدم مزيجا حكائيا جذابا يشتمل على "الوثيقة التاريخية"، لكن ضمن قالب روائي يكاد يكون فريدا.