بعد يومين من انعقاد "قمة تونس الثلاثية" بمشاركة قادة تونس والجزائر وليبيا، وقّع وزراء الزراعة والموارد المائية للدول الثلاث اتفاق إدارة المياه الجوفية المشتركة التي كانت مغيبة عن النقاشات لسنوات وصارت ملفا شائكا وبالغ الدقة ومهددا للعلاقات بينها. ويمكن القول إن طرح هذا الملف على الطاولة، مباشرة بعد القمة، يمثل رسالة من الجزائر، المتهمة بنزعة الهيمنة، لتأكيد أن المبادرة مثلما سوقت لها خلال المشاورات والترتيبات التي سبقت الإعلان عنها، ستكون حلا إقليميا على قاعدة مبدأ "رابح رابح" لمواجهة التحديات المشتركة سياسيا واقتصاديا وأمنيا ومخاطر التقلبات الجيوسياسية على أمن واستقرار المنطقة. وتبدو المقاربة الجزائرية مستوحاة أو تتقاطع مع "خطة ماتي" الإيطالية.
يعد اتفاق إدارة المياه الجوفية المشتركة، أول اتفاق يتم توقيعه من رحم قمة تونس. والبدء بواحدة من أعقد المسائل الخلافية، له دلالات لعل من أهمها ما قد تعكسه من حرص جزائري على تقديم ضمانات "حسن النوايا" لجارتيها، في قضايا حساسة يأتي التداول فيها، بعد سنوات توتر غير معلن تتالت خلالها الأزمات الصامتة والمؤاخذات الجدية الموجهة إلى "الشقيقة الكبرى" بسبب سلوك فرداني جزائري كرس سياسات أحادية تهدد مصالح حيوية واستراتيجية لدولتي ليبيا وتونس. لذلك يقدم التكتل على أنه سيحرك المياه الراكدة.
من ذلك، الخطط الجزائرية التي تستهدف المخزونات المائية المشتركة، وما تشكله من مخاطر على الأمن المائي لتونس وليبيا على المستوى الكمي والنوعي. فقد تسبب تشييد الجزائر سدودا جديدة على استغلال المياه المشتركة، علاوة على توجه الرئاسة الجزائرية جديا نحو تنقيب واستخراج "الغاز الصخري" أو "غاز الشيست" ذي الأخطار البيئية العالية والمهدد للمياه الجوفية المشتركة بين الدول الثلاث.
يبرز هذا الاتفاق إذن كخطوة عملية من الجزائر التي وصف وزير خارجيتها أحمد عطاف اجتماع تونس بـ"الناجح جدا" وبأن "نتائج إيجابية تمخضت عنه لاسيما من الجانب السياسي". وأكد في رد على ما سبق الاجتماع ورافقه وتبعه من جدل حول خلفيات مبادرة "تشكيل تكتل مغاربي شمال أفريقي"، أن التكتل "ليس بديلا لاتحاد المغرب العربي وأنه جاء "لسد الفراغ الموجود ومن قناعة من القادة الثلاثة بوجود ضرورة لاستحداث آلية تشاور تجتمع بطريقة دورية ومنتظمة".
وقال وزير خارجية الجزائر يوم الجمعة 26 أبريل/نيسان إن "مضمون البيان الختامي الذي توج (نقاشات القمة) تناول ملفات أساسية تمس حياة مواطني هذه البلدان وهي تنمية المناطق الحدودية والطاقة والأمن الغذائي وتذليل مشاكل التبادل التجاري وهي من أولويات العمل المشترك بين الدول في القمة القادمة التي ستعقد بعد 3 أشهر في طرابلس".
وأعلنت المبادرة على هامش أشغال قمة الدول المصدرة للغاز المنتظمة بداية شهر مارس/آذار 2024 بالجزائر والتي احتضنت أول اجتماع تنسيقي جمع رئيس الجمهورية الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره التونسي قيس سعيد ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي. وتم الاتفاق على اعتماد الاجتماع بشكل دوري كل 3 أشهر وعقد أول اجتماع تشاوري ضمن هذه المبادرة في العاصمة تونس يوم 22 أبريل.
تاريخيا، يُعد هذا الاجتماع الثلاثي الأول من نوعه على مستوى القادة. وفُسر من منطلق سياقاته، كاصطفاف تونسي وليبي في ظل صراع الاستقطاب المحموم بين الجزائر والمملكة المغربية. كما يشير التفسير من منطلق السياقات أيضا، إلى أن اللقاء ربما جاء متأخرا بالنظر إلى التطورات التي تعيشها المنطقة، وحاجة الدول الثلاث إلى تعزيز التنسيق لحماية أمنها القومي.
"خطة ماتي-تبون"
اتفق القادة الثلاثة، حسب البيان الختامي، على "تشكيل فرق عمل مشتركة يعود لها تنسيق الجهود لتأمين الحدود المشتركة من مخاطر وتبعات الهجرة غير النظامية وغيرها من مظاهر الجريمة المنظمة وفق مقاربة شاملة... وتوحيد المواقف والخطاب في التعاطي مع مختلف الدول الشقيقة المعنية بظاهرة الهجرة عبر النظامية في شمال المتوسط ودول جنوب الصحراء".