الاتحاد الأوروبي يتصدر العالم في قوانين الذكاء الاصطناعيhttps://www.majalla.com/node/315686/%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85-%D9%88%D8%AA%D9%83%D9%86%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A7/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A-%D9%8A%D8%AA%D8%B5%D8%AF%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D9%82%D9%88%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%83%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B5%D8%B7%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A
في خطوة رائدة، وافق البرلمان الأوروبي على قانون الذكاء الاصطناعي والحد من أخطاره، والسعي الى جعل التكنولوجيا أقل ضررا على الإنسانية. هو القانون الأول عالميا في هذا المجال، في مقابل العديد من القرارات التنظيمية الخجولة على الساحة الدولية، ومنها القرار التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأميركي جو بايدن في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وميثاق مجموعة السبع لتعزيز سلامة وجدية الذكاء الاصطناعي، الذي اعتبر خطوة مهمة لإنشاء قواعد ومعايير معترف بها دوليا، ولتشجيع الشركات والمؤسسات الدولية الأخرى على تقنين الذكاء الاصطناعي. تضاف الى ذلك، توصيات القمة التي عقدت في المملكة المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لسلامة الذكاء الاصطناعي وأمنه، وحضرها أكثر من 28 حكومة وشركة من أنحاء العالم. لكن الفارق الأساسي بين كل هذه المبادرات والقانون الصادر عن الاتحاد الأوروبي، أن الأخير قانون شامل ملزم لكل الدول الأعضاء، وللشركات الأجنبية العاملة خارج الاتحاد الأوروبي، ولكن تبيع منتجاتها وخدماتها لمواطني الاتحاد.
أيدته الغالبية في البرلمان الأوروبي بنسبة 523 صوتا، في مقابل 46 صوتا معارضا، فيما امتنع 49 عن التصويت. يهدف القانون الى حماية الحقوق الأساسية للأفراد، والديمقراطية، وسيادة الدستور والتشريعات، والأهم، هو توفير مناخ إيجابي وشفاف يلزم كل العاملين في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي الإفصاح عن معلومات أساسية عن منتجاتهم، واحترام المعلومات الشخصية للأفراد في الأماكن العامة كتقنية التعرف الى الأشخاص من خلال الوجه. يمكن هذا القانون أيضا الأفراد والعملاء من تقديم الشكاوى وألزم الشركات الاستجابة لها، تحقيقا لمبدأ الشفافية وحماية المستهلك. كذلك، يفرض القانون التزامات صارمة لأنظمة الذكاء الاصطناعي العالية الأخطار، كتلك المتعلقة بالتعرض للحقوق الأساسية للمواطنين واتخاذ قرارات عنصرية.
يحمي القانون الأوروبي الحقوق الأساسية للأفراد والديمقراطية والتشريعات، والأهم، هو إلزام العاملين في تطوير الذكاء الاصطناعي الإفصاح عن منتجاتهم وصون المعلومات الشخصية للأفراد
ثمة آراء بأن هذه القيود يمكن أن تعوق الإنتاجية في مجال تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وتضعف تنافسية الشركات نظرا الى المسؤولية الكبيرة التي تقع على كاهلها بعد إقرار هذا القانون، وبدء العمل به بعد 20 يوما من نشره في الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي، وهو أمر، عادة ما يتم في غضون أيام عدة من التصويت على القرار، ويصبح القانون ساري المفعول كليا بعد عامين من تاريخ بدء النفاد، ولكن بعض مفاعيل القانون ستدخل حيز التنفيذ قبل هذا الموعد النهائي.
علام تنص أبرز مواد القانون؟
1. تقسيم الأخطار
يصنف القانون التطبيقات المعتمدة على استخدام الذكاء الاصطناعي في أربع مجموعات بحسب درجة الأخطار الناتجة من استخدام التطبيق: خطر غير مقبول، وخطر كبير، وخطر محدود، وأخيرا، خطر ضئيل. الأخطار غير المقبولة تتضمن أنظمة الذكاء الاصطناعي التي يمكنها التلاعب بسلوك الإنسان والضغط عليه لتغيير قراراته أو التأثير على الرأي العام، وأيضا الأنظمة التي تستخدم التقييم البيومتري أو الصفات الجسدية للأشخاص كالطول ولون العين وتحليل الوجه وبصمة الصوت بقصد تعرف الحكومات اليهم في الأماكن العامة لقمع مجموعات سياسية أو إثنية أو دينية بعينها، في خطوة تهدف إلى عدم تغذية التطبيقات بمعلومات تؤدي إلى اتخاذ قرارات منحازة.
يرى القانون أيضا، أن أنظمة التقييم الاجتماعي تمثل خطرا غير مقبول، وهي أنظمة تستخدمها بعض الحكومات لإنشاء قاعدة بيانات للخطر الناجم عن الأشخاص بعد مراقبة سلوكهم المالي والاجتماعي والجنائي، لتعمد السلطات إلى معاقبة هؤلاء الذين يشكلون نسبة عالية من الخطر.
الهدف الرئيس للمشرعين الأوروبيين هو توفير تكنولوجيا تستخدم لخدمة الإنسان ورفاهيته واحترام حقوقه الأساسية وليس تعرضه للأخطار
أما المسائل ذات الأخطار المرتفعة في استخدامات الذكاء الاصطناعي، فهي الناتجة من استخدام السيارات الذاتية القيادة، أو من التطبيقات الطبية. والأخطار المحدودة والضئيلة هي تلك الناجمة عن الأنظمة الترفيهية كالألعاب أو الأنظمة التي تنتج نصوصا أو مقاطع مصورة.
وأعطى القانون مهلة للشركات لتمتثل لهذا القانون، لا سيما للتطبيقات التي تنجم عنها أخطار غير مقبولة، والتي لديها مهلة ستة أشهر ليدخل القانون حيز التنفيذ. وأعطى القانون المشرعين مهلة تسعة أشهر لتحديد الممارسات الجيدة ووضع نموذج قوي تتبعه الشركات ومطورو أنظمة الذكاء الاصطناعي.
2. استخدامات لخير البشر
الهدف الرئيس للمشرعين الأوروبيين هو توفير تكنولوجيا تستخدم الذكاء الاصطناعي لمساعدة البشر وخدمة الإنسان والعمل على رفاهيته واحترام حقوقه الأساسية وليس تعرضه للأخطار. يشكل هذا الهدف فارقا جوهريا بين توجهات الأوروبيين والأميركيين التكنولوجية، حيث يتركز اهتمام الأميركيين على العوائد المادية وانتشار التكنولوجيا لتحسين الإنتاجية في الولايات المتحدة.
#الاتحاد_الأوروبي يسن حواجز الحماية الأكثر شمولاً في عالم #الذكاء_الاصطناعي سريع التطور، بعد أن أقر برلمان الكتلة قانون الذكاء الاصطناعي
وفي حين حظر القانون استخدام أنظمة التعرف البيومتري بشكل عام، إلا أنه سمح ببعض الاستثناءات لاستخدامها، إذا تم توفير ضمانات قضائية وإدارية. على سبيل المثل، يمكن استخدام هذه التكنولوجيا في مدى وتوقيت محددين للبحث عن أشخاص مفقودين أو منع هجمات تهدد الأمن العام كهجوم إرهابي. هذه التطمينات تجعل من الاتحاد الأوروبي رائدا عالميا في الدفاع عن حقوق الإنسان في مجال التكنولوجيا، وفرض عقوبات صارمة على الشركات اذا تجاهلت المعايير الأخلاقية التي يتبناها الاتحاد.
طالبت الجمعية الأوروبية لصناعة الكومبيوتر والاتصالات بمراقبة تأثير القانون على إنتاجية تطبيقات الذكاء الاصطناعي وانعكاساتها على التنافسية
موقع "يورونيوز"
3. الشفافية
ركز القانون الأوروبي على أن تكون تطبيقات الذكاء الاصطناعي شفافة قدر الإمكان. حيث شدد على وجوب التصريح في حال كانت الصور والنصوص مولدة بالذكاء الاصطناعي للحد من التزييف العميق والأخبار المغلوطة. كذلك، شدد على أهمية تقسيم التطبيقات بحسب الأخطار الناجمة عنها وإلزام مطوري هذه التطبيقات توفير المعلومات اللازمة والمستخدمة لإنشاء هذه التطبيقات، أيضا فرض المزيد من الإجراءات على مطوري التطبيقات التي تتسم بأخطار غير مقبولة. كذلك، على أن تستوفي أنظمة الذكاء الاصطناعي شروط حقوق الملكية الفكرية الأوروبية.
وفقا لموقع "يورونيوز"، طالبت الجمعية الأوروبية لصناعة الكومبيوتر والاتصالات (CCIA Europe) في تقرير لها بمراقبة تأثير الإجراءات والقوانين التي جرى تمريرها على إنتاجية تطبيقات الذكاء الاصطناعي وانعكاساتها على التنافسية. حيث حذر التقرير من أنه لا توجد مخاوف على التنافسية في مجال الذكاء الاصطناعي، ولكن يجب الحذر لتجنب إرهاق المطورين المبتكرين في هذا المجال بتكاليف الامتثال غير المتناسبة والإجراءات الإدارية غير الضرورية. على سبيل المثل، يمكن أن يشكل الحد من الوصول الى البيانات والإجراءات الإدارية الكبيرة للتعاون بين الشركات عائقا أمام الابتكار. فكما صرحت مديرة التنافس الأوروبي في "CCIA" لموقع "يورونيوز"، سيكون السماح بازدهار التنافس في سوق الذكاء الاصطناعي أكثر فائدة للمستهلكين الأوروبيين من فرض تنظيمات إضافية مبكرا، من شأنها أن تقمع الابتكار وتعيق تكوين كيانات وتحالفات جديدة.
الولايات المتحدة متأخرة في القوانين
يعتبر القانون الأوروبي نموذجا ودليلا للعديد من الدول التي تعاني من تعقيدات تنظيم الذكاء الاصطناعي وتقليل أخطاره، وأيضا وسيلة اتخذها الاتحاد الأوروبي لتصدير القيم والمعايير التي يتبناها أعضاؤه كحقوق الإنسان والمساواة. ومن المتوقع أن يتم إصدار تشريعات مماثلة في الولايات المتحدة في خطوة أكثر جدية ومسؤولية من القرارت التنفيذية التي أعلنها الرئيس بايدن في أواخر العام المنصرم.
لا تزال الولايات المتحدة متأخرة في تنظيم القطاع، وبعد عامين على نشر التعهدات الطوعية لشركات الذكاء الاصطناعي، فهي تبقى مجرد تصريحات عن نيات الشركات الموقعة وليست إقرارا ملزما
لا تزال الولايات المتحدة متأخرة في مجال تقنين الذكاء الاصطناعي. ففي عام 2021، قدم البيت الأبيض مسودة لميثاق حقوق الذكاء الاصطناعي، وبعد عامين نشر مجموعة من التعهدات الطوعية من شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة، التي ادعت أنها ستدير الأخطار التي تنشأ عن أدواتها أو تطبيقاتها.
تبقى هذه مجرد تصريحات عن نية الشركات الموقعة وليست إقرارا ملزما من الشركات للقيام بذلك. وقد بررت إدارة بايدن هذا الأمر بأنه قد يشكل دليلا إرشاديا في حال تمكن الكونغرس من صياغة تشريعات للذكاء الاصطناعي. لذلك، يُترك لشركات التكنولوجيا الرئيسة في الولايات المتحدة صوغ مبادئها الخاصة لتطوير الذكاء الاصطناعي ونشره حتى الآن. أضف الى ذلك، في 30 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، أصدر الرئيس بايدن أمرا تنفيذيا يهدف إلى تعزيز "التطوير والاستخدام الآمن والموثوق به للذكاء الاصطناعي". حيث وضع القرار التنفيذي معايير جديدة لسلامة الذكاء الاصطناعي وأمانه، وحماية الخصوصية، كما دافع عن الابتكار والمنافسة في هذا الإطار.
على الرغم من أن هذه خطوة مهمة في تعزيز مكانة الولايات المتحدة في ما يتعلق بتنظيمات القطاع، والتعبير عن الاتجاه الذي ستسلكه في هذا الشأن، إلا أنها تبقى مقتصرة على السلطة التنفيذية ولا ترقى إلى مستوى سياسة شاملة ملزمة، كما هي الحال في القانون الأوروبي الجديد.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت في 21 مارس/آذار المنصرم، قرارا تاريخيا لتعزيز الاستخدامات الآمنة للذكاء الاصطناعي، حث الدول الأعضاء على الامتناع عن استخدام تطبيقات الذكاء الصناعي في أمور لا تمتثل للقانون الدولي لحقوق الإنسان أو تهدد حقوق الإنسان بشكل عام. وقد عبر القرار عن أهمية الذكاء الاصطناعي في الوصول الى أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر للأمم المتحدة (Sustainable Development Goals).
تتطور التكنولوجيا بشكل أسرع من وتيرة تحرك الحكومات والمنظمات الدولية لقوننتها، المتاح حاليا من قوانين لا يكفي
الجدير بالذكر أن هذا القرار غير ملزم للدول الأعضاء، ولكن تمريره دوليا يحرك المياه الراكدة ويشجع الدول على تبني تشريعات تحكم عملية استخدام الذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى ذلك، لم يتطرق هذا القرار الأممي الى موضوعات شائكة كاستخدامات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، والعلاقة الحاكمة بين شركات التكنولوجيا والحكومات دوليا، حيث حذر تقرير لموقع "بلومبيرغ" من أن شركات التكنولوجيا تمسك زمام الأمور في كثير من الأحيان، أكثر من الحكومات. جاء القرار بدعم من الولايات المتحدة، في خطوة أثارت الجدال. حيث ان الولايات المتحدة تفتقر الي تشريعات تهدف الى تقنين الذكاء الاصطناعي والحد من الاستخدامات السلبية له داخليا.
وطبقا لموقع "فوربس"، سعت الولايات المتحدة الى إصدار هذا القرار الأممي لمحاولتها احتواء مجهودات الصين في هذا المجال. فواشنطن تدرك أن من ينجح في تقنين الذكاء الاصطناعي أولا، هو من يضع شروطه وقيمه التي يؤمن بها. فواشنطن تريد فرض القيم الغربية كالحرية والديموقراطية على تطبيقات الذكاء الاصطناعي بدلا من القيم الشيوعية التي تخشاها واشنطن والدول الغربية. فالتكنولوجيا ليست ببعيدة عن المنافسة التقليدية الجيوسياسية بين واشنطن وبكين.
تتطور التكنولوجيا بشكل أسرع من وتيرة تحرك الحكومات والمنظمات الدولية لتقنينها. فكما يبدو الحال الآن، تسابق الحكومات التطور السريع للتكنولوجيا في محاولة لجعلها أكثر أمانا، ولكن المتاح حاليا من قوانين لا يكفي للوصول إلى الهدف المنشود. حيث حذر إيلون ماسك، رجل الأعمال المالك لمنصة "أكس" من أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تتطور بشكل مخيف إلى حد قد يفوق ذكاء الإنسان في المستقبل القريب. وما يزيد مسألة تقنين التكنولوجيا تعقيدا، هو تداخل العاملين فيها وكثرتهم. فعلى عكس الكثير من الصناعات التي تتحدد مسؤولياتها بجغرافيا المكان الموجودة فيه، تكون التكنولوجيا العابرة للقارات غير مرتبطة بحدود جغرافية معينة، ولا تعتد في أحيان كثيرة بسيادة الدول كما هو معهود في النظام السياسي العالمي.