- لماذا اخترت العودة إلى التاريخ في هذه الرواية، وهل عدت بفكرة مسبقة عن أن التاريخ يعيد نفسه؟
التاريخ هو تجربة تامة بكل نتائجها، يسهل علينا قياس وضعنا عليها، وتشابه الظروف في العصر الحالي مع ظروف الرواية دفعني إلى اللجوء للتاريخ للاستيضاح ولاستشراف المستقبل، فخرجت الرواية بهذا الشكل. لا أصنف الرواية كرواية تاريخية، لكنها رواية خيال تاريخي، فالتاريخ هنا لا يلعب دور محرك الأحداث، لكنه حي كاللحظة الراهنة، يتأثر به من يعيشونه بصورة غير مباشرة.
الأمنيات
- طرحت في روايتك فكرة الأمنيات، فهل تعتبرها دعوة لمن لم يحقق أمنياته بأن يعمل بمسؤولية تجاهها؟
الرواية هي بيان أمل في وجه إحباطات العصر الحديث، فالعصر الذي نعيشه مليء بالخيبات، على الرغم من أنه أكثر العصور التي روجت للآمال الكبيرة، لذلك أعتبر الرواية "روشتة علاج" لكل من فقدوا الأمل وعانوا من خيبات لم تكن بأيديهم، وانكسروا، ففي الوقت الذي يجب أن نتحمل فيه مسؤولية اختياراتنا، يجب أيضا أن نتصالح مع فكرة إحباطنا وعدم وصولنا إلى ما نريده، ونفلته قبل أن نغرق به.
- لماذا اخترت كتابة الرواية وهل بدأت بها بسهولة؟
ما يحركني لكتابة الرواية هو السؤال، فأنا أكتب لمحاولة الإجابة عن سؤال يؤرقني أو يستفزني، وهواجس تأسرني، ثم أبني حول تلك الأسئلة عوالم كاملة، وأخلق شخصيات تتقاطع مصائرها، وتتفاعل مشاعرها بعضها مع بعض، تتنافر وتتزاوج، وتصبح الرواية في حالة مخاض، لولادة تلك الإجابة التي اعتقد أنها الأنسب إليّ. ولا أدعي أن روايتي يمكن أن تقدّم إجابة عن أي شيء، فمهمة الأدب ليست تقديم الإجابات بل إثارة التساؤلات، وأعتقد أن هذه سمة الرواية ككل في عصر ما بعد الحداثة.
- ما التحضيرات التي تسبق كتابتك للرواية، ومتى تشعر بأنها تكتب نفسها وتدهشك بأحداث لم تكن قد خططت لها؟
- مرحلة الكتابة هي آخر المراحل، فتبدأ الرواية بفكرة وتساؤل كما قلنا، ثم أستغرق في تلك الفكرة، حتى تؤلمني، وتدفعني دفعا إلى كتابتها، تلي ذلك فترة طويلة من البحث الدؤوب، في عشرات المصادر والكتب، والغرق فيها ليالي طويلة، تصاحبني الموسيقى في تلك الفترة، أرى من خلالها الشخصيات نابضة حية، سعيدة مرة وحزينة أخرى، هادئة مرة وغاضبة أخرى، وتظل تلحّ عليّ لكي أخرجها إلى النور، فتكون مرحلة الكتابة، التي في العادة تمتد سنة أو أقل قليلا.
لا تدهشني الشخصيات بأفعالها أبدا، لأنها تكون قد أخبرتني حكايتها بالكامل قبل مرحلة الكتابة، فأنا لا أبدأ الكتابة إلا ومشهد النهاية في بالي.
كفة الميزان
- هل تعتقد أن الجوائز المخصصة للرواية ساهمت في التشجيع على كتابة هذا النوع الأدبي حتى أن بعض الشعراء اتجهوا لكتابة الرواية؟
أعتقد أن السؤال معكوس، فأنا أرى أن ازدهار فن الرواية في الفترة الأخيرة تسبب في زيادة الجوائز المتخصصة في هذا الفن. الرواية فن قديم، عمره أكثر من 150 سنة، وقد يراه البعض جديدا إذا ما قارنه بفنون أدبية أخرى كالمسرح والشعر على سبيل المثل، ولكنه أثبت وجوده منذ سنوات طويلة، وذلك بسبب إقبال الجمهور عليه. وببساطة لو لم يكن هناك إقبال جماهيري على هذا الفن لما وجدت جوائز له، وهذا الإقبال أظن أنه بسبب طبيعة العصر، فلكل عصر فنه، فإذا عدنا الى الوراء 200 سنة فسنجد أن المسرح كان أهم الفنون الأدبية وأكثرها انتشارا، وإذا عدنا ألف سنة فسنجد أن الشعر كان رب الأدب، حيث كتبت به الملاحم الشهيرة. والعالم العربي ليس استثناء، فكما يقولون أصبحت الرواية "ديوان العرب الحديث" من بعد الشعر.
الجوائز مهمة بكل تأكيد وقد ساهمت في تشكيل معايير محددة للرواية، ولكن لا أعتقد أن ازدهار الفن سببه الجوائز، العكس هو الصحيح.
- سيكون لديك إصدار روائي جديد، محوره تقبل الآخر، هل هي رسالة سلام للناس؟
الرواية تتناول الآخر كمعادل لكفة الميزان، محاولة الوقوف ضد التفكير الأحادي، والانغلاق على النفس، ومحاولة لدفع الإنسان لتقبل غيره، والمخالف له في الأفكار والمعتقدات، فلنا أن نتصور الحياة من هذا المنطلق، وإلى أي مدى يمكن أن تتغير نظرتنا لأعدائنا إذا اقتربنا منهم بالشكل الكافي.
- هل تختار لكل رواية تكتبها رسالة ما؟
ليست رسالة بالمعنى الشائع، ولكنها فكرة، أو سؤال يشغلني وأريد أن أنقل عدواه الى القارئ، تأتي دائما الفكرة ثم بعد ذلك تأتي الرواية، فأنا لا اختار الرواية ثم أختار فكرتها، ولكن الفكرة تأتي أولا ثم يأتي بعد ذلك الوسيط للتعبير عنها، فقد تكون جملة عابرة، أو قصة قصيرة، أو رواية.