الأمير ويليام... إدارة التحديات بخبرات ملكيةhttps://www.majalla.com/node/315656/%D8%A8%D8%B1%D9%88%D9%81%D8%A7%D9%8A%D9%84/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1-%D9%88%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A7%D9%85-%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D8%AE%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D9%84%D9%83%D9%8A%D8%A9
ما من عائلة مهما بلغت رِفعتها، في منأى عن الألم والقلق الذي يصاحب مرض أحد أحبائها أو موته. وعائلة كنيدي- التي توصف غالبا بالعائلة المالكة الأميركية- خير دليل على ذلك. بيد أن قلة قليلة من العوائل تضطر إلى تحمل التدقيق العام خلال مثل هذه الأوقات الصعبة، كما تفعل عائلة كنيدي والعائلة المالكة البريطانية اليوم.
لا بأس إذن في الاعتراف بمقدرة الأمير ويليام على إدارة التحديات الصحية الأخيرة التي واجهها والده الملك تشارلز وزوجته الأميرة كاثرين، بمرونة ملحوظة. فباستثناء غيابه المفاجئ في شهر مارس/آذار عن حفل التأبين بكنيسة القديس جورج في وندسور، لعرابه- الملك اليوناني الراحل قسطنطين- والذي يُعتقد أنه صادف يوم الكشف عن تشخيص إصابة زوجته بالسرطان، فقد أدى واجباته الملكية بتمكّن.
وقدمت الملكة كاميلا لويليام دعما كبيرا، فقامت، على الرغم من سنوات عمرها الست والسبعين، بدور قيادي في العائلة المالكة بشكل مثير للإعجاب، حيث حلت محل زوجها في فترة علاجه من السرطان. ولكن بينما تستطيع الملكة كاميلا الاعتماد على ولديها البالغَين، ووصيفاتها الست، بمن في ذلك أختها أنابل إليوت، وأيضا على دعم زوجها السابق، أندرو باركر بولز، فإن الأمير ويليام يتحمل، فوق واجباته الملكية، واجبا إضافيا يتمثل في رعاية أطفاله الثلاثة، جورج، وشارلوت، ولويس.
الصورة الوحيدة التي التقطت للأميرة كاثرين أثناء تعافيها كانت تظهرها مع والدتها، التي كانت تقود السيارة، في الطريق إلى المدرسة لإحضار أولادها
ومع ذلك، فإن عائلة ميدلتون (عائلة أميرة ويلز) قريبة جدا من صهرها وأحفادهم الملكيين، وهي لم تتوانَ عن منح الأمير ويليام الاستقرار والتوازن في حياته المنزلية. وعندما أعلن القصر في وقت سابق من هذا العام أن الأميرة ستخضع "لجراحة مخططة في البطن" وكان من المتوقع أن تبقى في المستشفى لمدة تصل إلى أسبوعين قبل مواصلة مرحلة تعافيها في المنزل لعدة أشهر، لم يكن غريبا أن يقف والداها، كارول ومايكل ميدلتون، إلى جانب ابنتهما وعائلتها أثناء تعافيها. بل إن الصورة الوحيدة التي التقطت للأميرة كاثرين أثناء تعافيها كانت تظهرها مع والدتها، التي كانت تقود السيارة، في الطريق إلى المدرسة لإحضار أولادها.
وكما لو أن تشخيص إصابة زوجته وأبيه بالسرطان لم يكن مقلقا لويليام بما فيه الكفاية. فها هي ذي التكهنات حول صحة الأميرة كاثرين على وسائل التواصل الاجتماعي تتصاعد إلى مستوى فج وغير معقول. ثم أعلنت هيئة تنظيم الخصوصية في المملكة المتحدة الشهر الماضي عن إجراء تحقيق في مزاعم بأن العاملين في مستشفى خاص في لندن، حيث كانت الأميرة تتلقى العلاج، حاولوا الوصول إلى سجلاتها الطبية أثناء الجراحة التي أجريت لها.
وبعد أسابيع من التكهنات ونظريات المؤامرة بشأن غيابها عن الواجبات العامة، نشرت الأميرة كايت مقطع فيديو في مارس أخبرت من خلاله الجمهور باكتشاف السرطان بعد الجراحة التي أجريت لها في يناير/كانون الثاني وبأنها بدأت العلاج الكيميائي الوقائي. والآن، بعد هذا الكشف، تواجه أميرة ويلز مزيدا من التدقيق وتتعرض "للإيذاء مرة أخرى" من قبل المعلقين عبر الإنترنت، الذين انتقدوها لعدم الكشف عن تشخيصها في وقت سابق.
وتطرقت الأميرة في رسالتها بالفيديو إلى أنها احتاجت وزوجها والأمير ويليام وقتا لتهيئة أطفالهما لإبلاغهم بالوضع بطريقة مناسبة لأعمارهم، وطمأنتهم بأنها سوف تتعافى. ويؤكد هذا الوضع أنه على الرغم من حياتهم المميزة، فإن العائلة المالكة ليست محصنة ضد التحديات والضغوط العاطفية التي تصاحب القضايا الصحية الخطيرة، ولا شيء أدعى للمساواة بين البشر من إصابة أحد الأبوين بمرض عضال.
تذكرنا هذه التحديات بالخلفية الشخصية للأمير، الذي خسر والدته، الأميرة ديانا، في عام 1997 في الحادثة المأساوية التي تركت فيه أثرا لا يمحى. من ناحية أخرى، توفي جداه، الملكة إليزابيث الثانية ودوق إدنبرة، بعد حياة طويلة. لقد حزنت الأمة بأكملها بشدة على وفاة الملكة عام 2022، ولكن حزن الأمير ويليام كان مضاعفا، فبالنسبة له، لم تكن جدته الملكة التي قضت فترة طويلة في الحكم، بل كانت أيضا أما للعائلة ومستشارة محبة شاركت معه معرفتها العظيمة لإرشاده في دوره القادم كأمير ويلز والملك في نهاية المطاف.
في معرض تفكيره في وفاة دوق إدنبرة، كرم الأمير ويليام إرث جده، وسلط الضوء على "الحضور الدائم" للأمير فيليب كقوة مرشدة له
منذ سني مراهقته في كلية إيتون، كان يتمتع بعلاقة وثيقة مع جدته، وكثيرا ما كان يزورها في قلعة وندسور لتناول الشاي وتلقي النصح. لقد كان قريبا منها كقرب والده من الملكة الأم الراحلة. وفي بيان مؤثر تمت مشاركته بعد انتشار خبر وفاتها، قال الأمير ويليام: "على الرغم من حزني الشديد لخسارتها، لا بد أن أكون ممتنا للغاية، فقد استفدت من حكمة الملكة وطمأنينتها حتى العقد الخامس من عمري، وحظيت زوجتي بعشرين عاما من توجيهها ودعمها، وكان أطفالي الثلاثة يحبون قضاء العطلات معها وخلق ذكريات تدوم طوال حياتهم... لقد كانت بجانبي في أسعد لحظاتي، وكانت بجانبي خلال أحلك أيام حياتي. وكنت أعلم أن هذا اليوم سيأتي، ولكننا نحتاج لوقت لكي ندرك فعلا أن الحياة من دون الجدة باتت حقيقة فعلا. أنا ممتن للغاية للدفء واللطف الذي قدمته لي ولعائلتي، وممتن لها أيضا، نيابة عن جيلي، لأنها قدمت مثالا رائعا للخدمة والكرامة في الحياة العامة- منارة من حقبة ماضية، ولكنها مهمة إلى الأبد بالنسبة لنا".
وفي معرض تفكيره في وفاة دوق إدنبرة، كرم الأمير ويليام إرث جده، وسلط الضوء على "الحضور الدائم" للأمير فيليب كقوة مرشدة له في الأوقات السعيدة والفترات الصعبة.
ظهر هذا "الحضور الدائم" بشكل أكثر وضوحا خلال موكب جنازة الأميرة ديانا يوم 6 سبتمبر/أيلول 1997. في البداية لم يكن من المقرر أن يسير الأمير فيليب وراء نعشها، حيث كان هذا الدور مخصصا لأفراد العائلة المباشرة فقط. ولكن بعد محادثات مع حفيده، الذي طلب منه السير بجانبه لدعمه أثناء اتباعهم لجنازة الموتى، انضم دوق إدنبره إلى ابنه الأمير تشارلز والأمير ويليام والأمير هاري وكذلك شقيق الأميرة ديانا تشارلز، إيرل سبنسر، في مراسم الدفن وسار لمسافات طويلة خلف التابوت.
وفي بيان صادق عقب إعلان وفاة جده عام 2021، قال الأمير ويليام: "لقد تميزت حياة جدي التي امتدت قرنا من الزمن بالتفاني لأمته والكومنولث، لزوجته وملكتنا، ولعائلتنا. وإنني لأعتبر نفسي محظوظا إذ استرشدت بمثاله وشعرت بدعمه الثابت طوال فترة البلوغ، في الأوقات السعيدة والصعبة على حد سواء. أنا ممتن للغاية لأن زوجتي أتيحت لها الفرصة لتكوين علاقة وثيقة مع جدي وللدفء الذي أظهره لها.
على الرغم من خطورة الوضع الحالي بالنسبة للعائلة المالكة، لا يبدو الأخوان ويليام وهاري أكثر قربا من بعضهما البعض
"وسأعتز إلى الأبد بالذكريات الفريدة التي يحتفظ بها أطفالي عن جدهم الأكبر، الذي كان يأتي في كثير من الأحيان في عربته ليأخذهم في مغامرات، ويشاركهم روح الاستكشاف التي لا حدود لها إضافة لذكائه المرح. كان جدي رجلا مميزا من جيل رائع. وإنني وكاثرين ملتزمان بتكريم إرثه من خلال دعم الملكة في السنوات المقبلة. وبينما سأفتقد جدي بشدة، فإنني أعلم أنه يريدنا أن نواصل عملنا".
يتضح من هذه التصريحات مدى قرب الأمير ويليام من جده وجدته ومدى افتقاده لهما خلال هذه الأيام الصعبة وهو يدعم زوجته وأباه في مرضهما. ثم يأتي فوق ذلك افتقاده أيضا دعم أخيه، الأمير هاري، فيما أصدر الأمير هاري وزوجته ميغان ماركل رسالة قصيرة عبر المتحدث باسمه بعد فيديو أميرة ويلز، قالا فيها: "نتمنى الصحة والشفاء لكيت والأسرة ونأمل أن يتمكنوا من فعل ذلك بخصوصية وسلام". ولا يُعتقد أن دوق ودوقة ساسكس قد أبلغا بحالة الأميرة قبل الإعلان العام.
وعلى الرغم من خطورة الوضع الحالي بالنسبة للعائلة المالكة، لا يبدو الأخوان أكثر قربا من بعضهما البعض. ولعل الأمير ويليام أدرك نزوع دوق ودوقة ساسكس إلى استخدام المعلومات الخاصة لتحقيق مكاسب شخصية، فيما يشعر الأمير ويليام- دون شك- بالحاجة إلى حماية زوجته أكثر من أي وقت مضى.
وإذا كان الزوجان يخضعان لرقابة العالم، فإن لديهما أيضا أطيب التمنيات في العالم. وبعد إعلان الأميرة، أصدر قصر كنسينغتون في لندن بيانا جاء فيه: "لقد تأثر الأمير والأميرة بشدة بالرسائل اللطيفة من الناس هنا في المملكة المتحدة، وجميع أنحاء الكومنولث، ومن كافة أرجاء المعمورة، ردا على رسالة صاحبة السمو الملكي. لقد تأثرا للغاية بدفء ودعم الجمهور وهما ممتنان لفهم طلبهما بالخصوصية في هذا الوقت".
وصُوّر الملك نفسه وهو يقرأ بعضا من آلاف البطاقات المرسلة إليه التي تتمنى له شفاء عاجلا، وأصدر قصر باكنغهام أيضا بيانا جاء فيه: "لقد أُرسلت للملك في صندوق أوراقه الأحمر (بريده) اليومي مجموعة مختارة، حيث شارك الكثيرون تجربتهم الخاصة مع السرطان وقدم آخرون تمنياتهم الطيبة ونصائح من أجل الشفاء العاجل. إلى كل من تحمل عناء الكتابة: شكرا جزيلا لكم. وكما قال جلالة الملك، مثل هذه التمنيات الطيبة هي أعظم عزاء وتشجيع".
ومن المؤكد أن أمير ويلز يواجه صعوبات ينبغي التعامل معها هذا العام، ولكن نظرا لتدريبه والصبر الذي أبداه حتى الآن، فإنه يُظهر بأسا وقوة شكيمة في التعامل معها، وقد أظهر بذلك الصفات الحقيقية اللازمة لوريث العرش.