يبدو حال العلاقات العراقية- التركية، كحال المسلسلات التركية الدرامية الطويلة، فهي تتحدث عن سرديات تاريخية لبطولات ومغامرات السلاطين الأتراك، كدلالة رمزية عن حضارة الإسلام في عهد الإمبراطورية العثمانية. وتسوق لنا المناظر الطبيعية الساحرة والأزياء الفاخرة والممثلين الوسيمين. وتبقى مواضيعها المشتركة محصورة في ثنائية الرومانسية والانتقام.
وهكذا تبدو زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بغداد، تلبية لدعوة رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني. فخطاب الرئيس التركي كان يلوح بالرومانسية التي يمكن أن تكون هي شكل العلاقة بين العراق وتركيا، وفي الانتقام من جماعات "حزب العمال الكردستاني" التي توجد في شمال العراق، والتي كرر وصفها بالإرهاب.
الرئيس أردوغان، وصف العراق بأنه "جار مهم يجمعه بتركيا علاقات تاريخية وإنسانية وثقافية مشتركة"، مؤكدا أنه "يملك إرادة سياسية قوية لدفع علاقاتنا مع العراق إلى الأمام على أساس الاحترام المتبادل وحسن الجوار، مع مراعاة مصالحنا المشتركة، لقد أثبتنا ذلك مجددا عبر هذه الزيارة".
ثلاث عشرة سنة تفصل بين الزيارة الأولى لأردوغان وزيارته الحالية، ولم يكن التغيير الوحيد هو المنصب السياسي. ففي الزيارة الأولى عام 2011 كان يشغل منصب رئيس الوزراء، أما في زيارته الحالية فهو رئيس الجمهورية الذي يستحوذ على جميع السلطات التنفيذية بعد تعديل الدستور التركي عام 2017. لكن النقطة البارزة الفاصلة تاريخيا بين الزيارتين لم تكن تغيير المنصب السياسي لأردوغان، وإنما رغم تثاقل خطواته وما يبدو على تفاصيل محياه، فقد بقي يتحدث عن الملفات العالقة نفسها بين البلدين من زاوية ما تريده تركيا وما تعتبره ضرورة لأمنها القومي.
بدايات جديدة
ختم أردوغان نهاية حديثه في المؤتمر الصحافي الذي جمعه مع رئيس الوزراء العراقي، بالتصريح عن ثقته في أن زيارته "التي جاءت في فترة حرجة من حيث التطورات الإقليمية، ستفضي بمشيئة الله تعالى إلى بدايات جديدة". وربما تكون البدايات الجديدة التي تطرح للنقاش لأول مرة على مستوى سياسي رفيع تتركز على موضوع "طريق التنمية"، وهو المشروع الاستراتيجي الأهم الذي يراهن عليه رئيس الحكومة في أن يكون هو نقطة التحول في نمط العلاقة بين محيطه الإقليمي نحو الشراكة الاقتصادية، ولذلك كان حضور وزير المواصلات القطري ووزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي وتوقيع مذكرة تفاهم رباعية بين العراق وتركيا وقطر والإمارات خطوة نحو الإمام في الاتفاق على هذا المشروع.