ستُثير التسريبات الأخيرة في الصحافة الأميركية لخطاب منسوب إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، بشأن موقفه من كتيبة "نيتساح يهودا" في الجيش الإسرائيلي، غضب منتقدي إدارة بايدن، الذين يقولون إنها لم تتخذ أي إجراء إلى الآن لـ "محاسبة" إسرائيل على انتهاكات خطيرة بحق الفلسطينيين سواء في الضفة الغربية المحتلة أو في إطار حربها على قطاع غزة.
وأثارت تلك التقارير جلبة كبيرة في أروقة السياسة الأميركية والإسرائيلية على حد سواء، نظرا لأنها المرة الأولى التي يُناقش فيها على الملَإِ فرض عقوبات على وحدة عسكرية إسرائيلية.
وبموجب إجراء فيدرالي أميركي يُعرف باسم "قانون ليهي"، يُطلب من الجيش الأميركي حجب الأسلحة والتدريب والمساعدات العسكرية الأخرى عن أي وحدة عسكرية أجنبية ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
ومع ذلك، فإن خطاب بلينكن لرئيس مجلس النواب مايك جونسون يقول إن القانون يسمح باستثناء الدول التي اتخذت خطوات "لتقديم أعضاء الوحدة المسؤولين عن ذلك إلى العدالة".
ونقلت شبكة "إيه بي سي نيوز" الأميركية عما وصفته بمصدر مطلع قوله إن الولايات المتحدة وإسرائيل لديهما أيضا اتفاقا خاصا يتطلب من الولايات المتحدة التشاور مع الإسرائيليين قبل اتخاذ أي قرارات تتعلق بـ "قانون ليهي"، والذي يحمل اسم الراعي الرئيسي للقانون السيناتور باتريك ليهي.
ويقول خطاب بلنيكن، الذي حصلت شبكة "إيه بي سي نيوز" على نسخة منه، إن إسرائيل ستظل مؤهلة للحصول على المساعدات العسكرية الأميركية بغض النظر عن الخطوات التي تقول إسرائيل إنها تتخذها لمعالجة المشكلة. وكتب بلينكن أن قرار الولايات المتحدة "لن يؤخر تسليم أي مساعدات أميركية وستتمكن إسرائيل من الحصول على المبلغ الكامل الذي خصصه الكونغرس."
وإذا تراجعت واشنطن عن تفعيل القوانين ذات الصلة لفرض عقوبات على تلك الكتيبة، وفق ما سربته وسائل إعلام أميركية، فبذلك تكون قد خضعت عمليا للضغوط السياسية الإسرائيلية والزوبعة الإعلامية التي لم تهدأ لمجرد الكشف عن توجه في الإدارة الأميركية لمعاقبة أفراد "نيتسح يهودا".
لو طبق القانون الأميركي على الكتيبة، فقد يؤدي من دون قصد إلى تضييق الخناق على إسرائيل بسبب الانتقادات الدولية المتنامية، لا سيما من الحلفاء، بشأن الممارسات التي ينتهجها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، فضلا عن اتهامات من منظمات دولية وحقوقية لها بارتكاب إبادة وتطهير عرقي في قطاع غزة، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الاحتجاجات العارمة المناوئة لإسرائيل في جامعات أميركية كبرى قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية المقبلة.
فتلك الكتيبة ذائعة الصيت وصاحبة السوط المسلط على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة منذ وقت، تشارك أيضا في الحرب على غزة وقد تكون محط أنظار المنظمات الحقوقية الدولية والمؤسسات في المرحلة المقبلة خاصة في حال نفذت إسرائيل خططها في اجتياح رفح.
ما هي كتيبة "نيتسح يهودا" وما دورها؟
تأسست "نيتسح يهودا" بشكلها الحالي عام 1999 ضمن مبادرات تشجيع تجنيد الشبان اليهود المتزمتين دينيا أو الحريديم بمباركة عدد محدود من الحاخامات والنشطاء لتكون في بادئ الأمر جزءا من لواء "الناحل الحريدي" قبل أن تتحول إلى لواء "كفير" في الجيش الإسرائيلي.
وكلمة "نيتسح" هي اختصار لثلاث كلمات عبرية تعني "الشباب العسكري الحريدي"، والكتيبة هي واحدة من أبرز الكتائب في قوات المشاة الإسرائيلية التي أوكلت إليها، ما يسميها الجيش، مهمات أمنية يومية في الضفة الغربية حيث نشر أفرادها بداية في منطقة الأغوار قبل الانتقال إلى مناطق شمالي الضفة الغربية ومن ثم منطقة رام الله وبعدها الجولان المحتلة.
شهدت الكتيبة مع مرور الوقت انضمام جنود من تيارات مختلفة في الصهيوينة الدينية إليها بما فيها تيارات محسوبة على المستوطنين و"شبيبة التلال" المتطرفة خاصة أن الحريديم ظلوا متمسكين في أغلبيتهم بفكرة عدم الالتحاق بالجيش والتفرغ لدراسة تعاليم التوراة في المعاهد الدينية. وباتت نسبة الحريديم فيها تعادل الخمسين في المئة تقريبا مع اندماج مجموعات منهم في وحدات أخرى أو ألوية قتالية.
وسجلت "نيتسح يهودا" مشاركة فعلية في الحرب على غزة مطلع 2024 كما نقل جنودها إلى المناطق الإسرائيلية الحدودية مع غزة وشاركوا في تدريبات استعدادا لمزيد من التوغلات البرية.
كما شاركت كتيبة "نيتسح يهودا" في كثير من الأحداث والمواجهات في الأراضي الفلسطينية إلى جانب قتل فلسطينيين نفذوا عمليات ضد أهداف إسرائيلية هناك. لكن بعض الأحداث شكلت نقاطا بارزة في مسار الكتيبة والتعامل معها ومن بينها وفاة المسن الفلسطيني عمر أسعد الذي يحمل الجنسية الأميركية في يناير/كانون الثاني 2022 في قرية جلجليا بعد أن تعرض للتفتيش والاحتجاز والتكبيل في بيت مهجور اقتاده جنود من الكتيبة إليه خلال اقتحامهم القرية ليلا. في تلك الحادثة اكتفت النيابة العسكرية بإجراءات تأديبية بحق ضباط وجنود ضالعين في الحادثة من دون تقديم لائحة اتهام ضدهم وبعدها بوقت قصير نقلت الكتيبة إلى الجولان.