أخيرا مات الشيخ عبد المجيد الزنداني، بعدما أشبعه اليمنيون موتا، كلّ يوم كانوا يشيعون أنّه مات. وما أن تُنسى الإشاعة الأولى حتى تأتي إشاعة جديدة.
أخيرا سيرتاح هؤلاء من إشاعاتهم، لكنّ هناك من سيظل يسأل عن دور هذا الداعية الإسلامي في تاريخ اليمن والإخوان المسلمين عامة.
فهو من أوائل من التحق بالمؤسسة الرسمية اليمنية، في بداية ستينات القرن العشرين، وظلّ فيها الحارس الأكثر تشددا لقيم جماعته من خلال نشرها في المناهج التعليمية، ثم تنقيح وإلغاء كلّ ما يخالف توجّه هذه الجماعة.
في ممارسته هذه بقي متحالفا مع السلطة السياسية، سواء من خلال ما سمّي وقتها بالجبهة الإسلامية المناهضة للجبهة الوطنية اليسارية المدعومة من النظام الاشتراكي في جنوب اليمن، وتأسيس مكاتب الإرشاد ومدارس تحفيظ القرآن والمعاهد العلمية، أو من خلال عناصرهم في جهاز الأمن السياسي (المخابرات).
من هذا المنطلق المتشدد، عارض الزنداني وجماعته دستور دولة الوحدة اليمنية عقب تحققها في 22 مايو/ أيار 1990، ثم سعوا إلى تغيير مواد في الدستور بعد ذلك بحجة مخالفتها الشريعة الإسلامية وصولا إلى تجييشهم مع الرئيس صالح في حربه ضد الجنوب والحزب الاشتراكي اليمني عام 1994، من خلال خطابات تكفيرية ضد الاشتراكيين سمعها الناس من منابر المساجد وأشرطة الكاسيت والإذاعة والتلفزيون.
عارض الزنداني وجماعته دستور دولة الوحدة اليمنية ثم سعوا إلى تغيير مواد في الدستور بحجة مخالفتها الشريعة الإسلامية
وخلال تلك السنوات علِقت بالزنداني الكثير من القضايا، أشهرها اتهامه بأنه كان سببا في مقتل لينا مصطفى عبد الخالق، ابنة وزير العدل الأسبق، التي وجدوا جثتها قرب منزله. وكذلك مشاركته في تأسيس شركة للأسماك عام 1996 وجمع أثمان أسهمها دون أن يعرف المساهمون مصيرها.
أمّا غير ذلك، ففقد اشتهر الزنداني بالكثير من المفرقعات الإعلامية، كقوله إنّه اخترع دواءين للأيدز والسرطان، رفض أن يسجلهما في المختبرات العالمية أو يفصح عن تفاصيل الاختراع خوفا من سرقته! كما أنّه تنبأ بهجرة الأوروبيين والغربيين إلى العالم الإسلامي بسبب الجليد عام 2015 وقيام الخلافة الإسلامية عام 2020 "تمتد من الصين شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا". وقال إنّه اكتشف طريقة لإنهاء الفقر في اليمن نهائيا. كما اشتهر بإيراد قصص عن أناس أسلموا على يده لأنّهم سمعوا القرآن أو وجدوا إحدى معجزات آياته محققة.
أمّا اشتغاله في مسألة الإعجاز العلمي في القرآن، وهو مجال اشتهر فيه كثيرا وحظي بتقدير إسلامي من خلاله، فقد صار محلّ نقد من الجيل الجديد الذي لم يعد يأبه بهذه الأطروحات بعدما صارت المعارف العلمية في متناوله، بل إن الباحث محمد عطبوش قام بالرد على هذا الطرح في كتاب له قبل أن يكمل الثانوية العامة.
ومن المفرقعات الأخرى، طرح الشيخ الزنداني فكرة "زواج فرند"، وهو زواج دائم يقوم على تسيير الزواج حيث لا يشترط السكن أو العيش المشترك.
ومن الملاحظات التي رددها كثيرون، تأييد الزنداني لزكاة الخُمس لآل البيت وهو ما أغضب الكثيرين من اليمنيين بعدما صاروا مطالبين بهذه الزكاة من سلطة الحوثيين الانقلابية. منحاه المتشدد عُرف في كثير من المجالات الاجتماعية والسياسية، حتى إنّه لم يكن يأبه بتحيّة نشيد السلام الجمهوري لأنّه يحتوي على موسيقى، كما أنّه وقف ضد قانون السلاح الذي يحد من انتشار الأسلحة لدى المواطنين.
كانت حياته مليئة بالصخب والسطوة، السطوة التي يتمتع بها رجل دين يدعي أنه يمتلك الحقيقة أو أنه المخول الوحيد لشرح هذه الحقيقة
وحين أنشأ جامعة الإيمان ذات التوجّه السلفي، من خلال تبرعات جمعها من مختلف الجمعيات والأحزاب الإسلامية، صار مقصدا للكثيرين من الطلبة الإسلاميين الذين تستهويهم التوجهات الدينية المتشددة، حتى إن بعضهم عُرف في ما بعد بعلاقاته بتنظيمي "القاعدة" و"داعش"، ومنهم قاتل جار الله عمر، الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني الذي قتل عام 2002 في حفل لحزب الإصلاح وهو يلقي كلمة في حضور الشيخ الزنداني.
إلى ذلك، أصدر الزنداني بيانات باسمه وبمشاركة مجموعة من شيوخ الدين في اليمن، ضد مجموعة من الكتّاب والأدباء والفنّانين بحجة مخالفة انتاجهم للشريعة الإسلامية، أمّا قبل الوحدة اليمنية فكان من السهل سجن ومحاكمة أي كاتب أو أديب بحجة اساءته للدين، كما عملوا بحمود العودي وعبد العزيز المقالح وغيرهما.
لم تكن حياة الزنداني عابرة أو هادئة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، بل كانت مليئة بالصخب والسطوة، السطوة التي يتمتع بها رجل دين يدعي أنه يمتلك الحقيقة، أو أنه المخول الوحيد لشرح هذه الحقيقة كونه "العالم" بتعاليم الله.
وهنا يمكن أن ننوّه بابتسامة اشتهر بها الزنداني، حسبها كثيرون أنها تصدر من لطف منه، لكنّ من أقترب منه كثيرا سيعرف أن هذه الابتسامة كانت بمثابة سخرية أو احتقار للرأي الذي يسمعه، وتعني أن من يحاوره، أو يقول رأيه أمامه، جاهل ولا يعرف ما يعرفه.
والخلاصة، أن الزنداني (1942- 22 أبريل 2024) الذي مات في تركيا بعدما أغلقت جماعة الحوثي جامعته في صنعاء وصادرت ممتلكات حزبه، مات في وقت لم تعد فيه سطوة لرجل الدين، وصار الكثير من آرائه محل نقد واسع، بل وسخرية أحيانا. ويمكن القاء نظرة لتعليقات المتصفحين في الوسائط الاجتماعية على آراء رجال الدين لمعرفة أنّ هؤلاء صاروا لا حول لهم ولا قوّة، كقوّتهم السابقة التي كانوا يبطشون بها بكلّ من يخالف آرائهم.