في السنوات الأخيرة، كلما وجد زعماء الغرب أنفسهم في صراع جديد مع إيران، كان ردهم الروتيني فرض مجموعة إضافية من العقوبات على الحكم في طهران.
وطوال الجزء الأكبر من العقدين الماضيين، كانت الحكومات الغربية المتعاقبة تسعى إلى كبح نفوذ إيران المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط وخارجه، من خلال فرض عقوبات مختلفة مصممة للحد من أنشطة النظام الإيراني.
معظم العقوبات المفروضة حاليا على طهران كانت ردا على برنامجها النووي والذي يعتقد كثير من الحكومات الغربية أنه يهدف في النهاية إلى إنتاج أسلحة نووية.
ونتيجة لذلك، فُرضت قيود صارمة على قدرة إيران على الوصول إلى التكنولوجيا والمواد التي يمكن استخدامها للمساعدة في تطور إيران النووي، في حين فُرضت مجموعة من العقوبات الاقتصادية، بما في ذلك قيود على قدرة إيران على تصدير النفط، ردا على استمرار إيران في عملها على برنامج تخصيب اليورانيوم.
وفي الأشهر الأخيرة، شُدد نظام العقوبات ضد إيران بشكل أكبر، خاصة من قبل الولايات المتحدة، بعد اتهام الميليشيات المدعومة من إيران بمهاجمة القوات الأميركية في سوريا والعراق في أعقاب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول.
كما تبنت المملكة المتحدة أيضا نهجا أكثر شدة تجاه طهران بعد أن كشف مسؤولون أمنيون بريطانيون عددا من المؤامرات الإيرانية لقتل أو اختطاف شخصيات معارضة إيرانية مقيمة في المملكة المتحدة. وأضيف سبعة أعضاء كبار في "الحرس الثوري" الإيراني ومنظمة إيرانية واحدة إلى قائمة عقوبات المملكة المتحدة في يناير/كانون الثاني بسبب مزاعم بتورطهم في تهديدات بقتل الصحافيين على الأراضي البريطانية.
إذن، ليس من المستغرب أن يبحث زعماء الغرب مرة أخرى، في أعقاب القرار الذي اتخذته إيران بشن أول هجوم مباشر ضد إسرائيل منذ الثورة الإيرانية عام 1979، عن سبل جديدة لمعاقبة العدوان الإيراني بفرض قائمة جديدة من العقوبات.
بُددت أي فكرة تشير إلى نية الغرب بتبني دور محايد في المواجهة طويلة الأمد بين إيران وإسرائيل بعد أن شاركت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا في عملية عسكرية مشتركة لتدمير الوابل المتنوع لأكثر من 300 طائرة مسيرة وصاروخ أطلقتها إيران على إسرائيل ليلة السبت 13 أبريل/نيسان.
ليس من المستغرب أن يبحث زعماء الغرب مرة أخرى، في أعقاب أول هجوم إيراني مباشر ضد إسرائيل منذ الثورة الإيرانية عام 1979، عن سبل جديدة لمعاقبة العدوان الإيراني بفرض قائمة جديدة من العقوبات
وعلى الرغم من إصرار طهران على تبريرها لشن الضربة كرد انتقامي على الهجوم الذي استهدف القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من أبريل، والذي أسفر عن مقتل عدد من كبار قادة "الحرس الثوري" الإيراني ووجه اللوم فيه إلى الإسرائيليين، فإن حلفاء إسرائيل الغربيين لم يترددوا أبدا في تقديم الدعم العسكري لإسرائيل بمجرد أن أصبح واضحا لهم أن إيران تستعد للانتقام.
ولا شك أن استعداد الكثير من الدول الغربية للرد عسكريا على الهجوم الإيراني يسلط الضوء على عزلة إيران العميقة عن الغرب، والتي تسارعت بشكل ملحوظ منذ شنت حركة "حماس" المدعومة من إيران الهجوم الإرهابي الأكثر تدميرا في تاريخ إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
ومع أن واشنطن ولندن بينتا حرصهما على عدم تصعيد المواجهة بين إسرائيل وإيران أكثر من ذلك، فإنهما تقودان أيضا دعوات لتطبيق المزيد من العقوبات ضد إيران، سواء ردا على هجومها على إسرائيل أو لاستمرار تورطها في دعم الجماعات المسلحة مثل "حزب الله" و"حماس"، المصنفتين كمنظمتين إرهابيتين في كثير من الدول الغربية.
وبشكل خاص، تسعى الولايات المتحدة وبريطانيا لتوسيع نطاق العقوبات المفروضة على طهران بسبب دعمها للحرب الروسية في أوكرانيا، لتشمل أيضا تسليمها الطائرات المسيرة والصواريخ إلى وكلائها في منطقة الشرق الأوسط.
وفي حديثه خلال اجتماع لوزراء خارجية مجموعة السبع في إيطاليا هذا الأسبوع، قال وزير الخارجية البريطاني اللورد كاميرون إن فرض موجة جديدة من العقوبات ضروري لمواجهة "النشاط الخبيث" لإيران، مشددا على أن "مجموعة السبع بحاجة لتوجيه رسالة واضحة لا لبس فيها إلى الإيرانيين".
في الوقت نفسه، تتعرض إدارة بايدن في واشنطن لضغوط شديدة من الجمهوريين للتراجع عن تخفيف العقوبات على إيران بقيمة 10 مليارات دولار، والتي يقول النقاد إنها ساهمت في تحرير الموارد وتمكين إيران من تمويل وكلائها في جميع أنحاء الشرق الأوسط وتكثيف برنامج الأسلحة النووية.
المشكلة الوحيدة في اعتماد الغرب على العقوبات كوسيلة للتعامل مع إيران، هي أنه على الرغم من الجهود الغربية لعزل النظام الإيراني، فقد تمكنت طهران من تطوير أساليب متطورة للتحايل على العقوبات المختلفة المفروضة عليها.
ويتجلى التأثير المحدود للجهود التي يبذلها الغرب لإضعاف الاقتصاد الإيراني من خلال العقوبات بشكل واضح في أحدث البيانات، التي تشير إلى أن إيران تصدّر حاليا كميات من النفط أكبر مما كانت تصدره في الأعوام الستة الماضية. وتوفر هذه الزيادة في صادرات النفط دفعة سنوية كبيرة لاقتصادها بقيمة 35 مليار دولار.
وفي المتوسط، باعت طهران ما معدله 1.56 مليون برميل يوميا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام، كلها تقريبا إلى الصين، وهو أعلى مستوى وصلت إليه صادرات النفط الإيرانية منذ عام 2018.
ومن المؤكد أن نجاح إيران في تصدير نفطها الخام يسلط الضوء على الصعوبات التي تواجه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في سعيهم لزيادة الضغط على طهران في أعقاب هجومها بالصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل.
بالنسبة لإيران، لا شيء يشير إلى شعورها بأي شكل من أِشكال الضغط من احتمال فرض المزيد من العقوبات الغربية
في غضون ذلك، ذكرت وكالة أنباء "تسنيم" الرسمية في طهران أن صناعة النفط في البلاد وجدت طرقا للالتفاف على العقوبات، مضيفة أنه بما أن الصين هي العميل الرئيس لها فهي محمية إلى حد كبير من الضغوط الغربية.
وإذا كان الأمر كذلك، فسوف يحتاج الغرب إلى إعادة التفكير بشكل جدي في تنفيذ سياسة العقوبات إذا كان جادا حقا في تحميل طهران المسؤولية عن هجومها غير المسبوق على إسرائيل.