تختلف كثيرا زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الأخيرة إلى واشنطن عن زيارات رؤساء الحكومات السابقة منذ تغيير نظام الحكم في 2003. ومن أهم أسباب الاختلاف القوى السياسية الشيعية التي تقف وراء تشكيل هذه الحكومة والتي يجاهر بعضها بالعداء لأميركا، وبعضها الآخر لا يزال شعاره السياسي يرفع البندقية كدلالة على مقاومة الوجود الأميركي في العراق.
وتختلف أيضا من ناحية التوقيت. إذ تزامن توقيت اللقاء في البيت الأبيض مع انطلاق الهجوم الجوي الإيراني بمئات المسيرات والصواريخ تجاه إسرائيل، مرورا بالعراق، ردا على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق. ليكون هذا التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران حاضرا في أحاديث الرئيس بايدن الذي أكد في بداية لقائه على "التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل". ولم يخل رد رئيس الوزراء العراقي من النبرة الدبلوماسية بالإشارة إلى الاختلاف بشأن تقييم ما يحدث في المنطقة (بروح الصراحة والشراكة) وتأكيده على الاتفاق بشأن مبادئ القانون الدولي ورفض الاعتداء على المدنيين والحث على الالتزام بالقوانين والأعراف الدولية في حماية البعثات الدبلوماسية.
أما الاختلاف الآخر الذي ميز هذه الزيارة، فهو الاتفاق على عنوان الشراكة لتحديد طبيعة العلاقة بين العراق والولايات المتحدة. وربما لا يكون هذا الاتفاق جديدا. لكن التأكيد عليه كعنوان للعلاقة الثنائية بين البلدين بعد القضايا التي اشتغلت عليها السفيرة الأميركية في بغداد آلينا رومانوسكي، إذ كانت تذيل لقاءاتها مع السياسيين العراقيين بهاشتاغ (الشراكة الاستراتيجية العراقية- الأميركية المستقبلية). ويبدو أن حكومة السوداني تتجه نحو تحقيق هذه الشراكة وتوسيع آفاقها.
وفي المحصلة النهائية، يعد لقاء السوداني بالرئيس بايدن في البيت الأبيض، عامل ارتياح لرئيس الوزراء العراقي فهو يبعد عنه هاجس تكرار سيناريو رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي الذي كانت فترة ولايته القصيرة هي الأكثر فتورا وتوترا في العلاقة مع الأميركيين. ولم يدعَ إلى زيارة واشنطن. ومن ثم، يكون السوداني، على المستوى الشخصي قد تجاوز عقدة عبد المهدي مع الأميركيين رغم تشابه تعقيدات الظروف المتوترة في المنطقة، وكذلك مواقف القوى السياسية التي تجاهر بالعداء لأميركا وهي مشاركة في حكومته.
توسيع الشراكة الأمنية
رغم أن تمثيل القيادات الأمنية في الوفد الحكومي العراقي لم يكن على المستوى الذي يعطي انطباعا على أن أحد الأهداف الرئيسة من زيارة واشنطن هي لتفعيل الشراكة الأمنية، لا سيما بعد البدء في مفاوضات إنهاء مهام التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش" في العراق. إلا أن مؤشرات الانتقال بالتعاون الأمني بين بغداد وواشنطن كانت حاضرة بقوة في زيارة السوداني.
في حديث بايدن مع السوداني، لم يجر تداول كلمة "انسحاب" القوات الأميركية من العراق. بل على العكس أكد الرئيس الأميركي على التزامه بتعزيز قدرات القوات الأمنية في جميع أنحاء العراق لتأمين أراضيه وشعبه. ووفق بيان البيت الأبيض أعرب كل من السوداني وبايدن عن التزامهما بعمل اللجنة العسكرية العليا المستمرة ونتائجها، والمجموعات الثلاث العاملة التي ستقيم: التهديد المستمر من "داعش"، والمتطلبات التشغيلية والبيئية، وتعزيز قدرات القوات الأمنية العراقية. وأكدا أنهما سيقومان بمراجعة هذه العوامل لتحديد متى وكيف سينتهي الدور الذي يلعبه التحالف الدولي في العراق، والانتقال بطريقة منظمة إلى شراكات أمنية ثنائية مستدامة، وفقًا لدستور العراق واتفاق الإطار الاستراتيجي الأميركي-العراقي.
المؤشر الأهم في الانتقال نحو الشراكة الأمنية الثنائية بين العراق والولايات المتحدة، هو الإعلان عن نية الرئيس بايدن ورئيس الوزراء العراقي عقد الحوار الأمني الثنائي بين الولايات المتحدة والعراق في وقت لاحق من هذا العام للحديث عن مستقبل الشراكة الأمنية الثنائية. ورغم أن هذه النوايا ستبقى مرهونة بنتائج الانتخابات الرئاسية في أميركا، لكنها تعبر عن الاتفاق المبدئي بين الطرفين على مستقبل الشراكة الأمنية بين بغداد وواشنطن.
لقاء السوداني مع وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن كان أكثر اهتماما بتفاصيل الشراكة الأمنية، إذ أشار بيان وزارة الدفاع الأميركية إلى مناقشة جهود تحديث القوات الأمنية العراقية وبناء قدراتها العسكرية، من خلال مبيعات عسكرية "إلى دولة أجنبية" ومجموعة واسعة من الأنشطة التدريبية والتجهيز التي تدعم القوات الأمنية والتي تمول من خلال صندوق التدريب والتجهيز لمحاربة "داعش". وتقدم وزارة الدفاع أيضا خدمات دفاعية تمول من خلال التمويل العسكري الأجنبي وبرامج التدريب العسكري الدولي- دورات تعليمية عسكرية احترافية نيابة عن وزارة الخارجية.