لم تؤثر الحرب على أنماط الحياة الاجتماعية والإنسانية والنفسية والاقتصادية السورية فحسب، بل حفرت عميقا في مسلك المعتقدات الأيديولوجية ودقّت مسامير الشك في المفاهيم الراسخة في الوعي الجمعي لدى فئات معينة خصوصا في مناطق الحكومة، كذلك عملت على زعزعة الحالة الإيمانية وتفكيك رمزيات، لتسمح بعبور نزعات جديدة وشيوع فئات ممن يعتبرون أنفسهم لا دينيين ولا أدريين. وإذ كانت هذه النزعات موجودة في الظل قبل الحرب، ووقفا على شريحة معينة من المثقفين، فقد اتسعت وباتت تظهر إلى النور بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، فأصبح التعامل مختلفا مع المعطيات بريبة أكبر، لا سيما بالنسبة إلى جيل كامل بزغت براعم وعيه مع اندلاع الحرب السورية التي أجّجت نار الخطاب الديني المتطرف لصالح التنظيمات الجهادية والجماعات المتشددة، وتحول الإنترنت إلى مصدر معلومات أساسي لنهمهم المعرفي.
ملاذ "التواصل الاجتماعي"
قبل نحو عشر سنوات، انطلقت بخجل بعض المجموعات الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، داعية إلى الاحتكام إلى العقل، وإيلاء الإنسان الأهمية الأولى والأخيرة، إلا أن هذه المجموعات ظلت محدودة النطاق، حتى زاد انتشارها في السنوات الأخيرة، متيحة التعبير عن الآراء المختلفة حول الدين، وهو ما كان في عداد المحظور في المنازل والبيئات الاجتماعية المحافظة.
سعت هذه المجموعات إلى مناقشة مسائل وجودية أزلية وأشبعت فضول الباحثين عن المعرفة، واللافت أن بعضا منها تمكن من استقطاب فئات متدينة كانت في السابق لا ترضى حتى بالجلوس مع الآخر المختلف والمخالف لها، فما بالك بالنقاش معه وتبادل الآراء والانتقادات.