تابعت أخيرا المسلسل الوثائقي الدرامي، "الوصية: قصة النبي موسى"، الذي أنتجته شركة Karga Seven التركية وعرضته منصة "نتفليكس" والذي كان من المفترض أن يتناول سيرة النبي موسى، من خلال الاستناد إلى ما ورد في الكتب السماوية المقدسة وفقا للمقدمة.
اعتمد المسلسل على دمج المشاهد الدرامية بالوثائقية، وهو ما يعرف بـ"دوكيودراما"، وهذا ما سمح في ظني بتمرير بعض الروايات والمعلومات والنصوص المغلوطة في عدد من أجزائه الوثائقية.
لا أنكر أنني كنت طوال المشاهدة منجذبا جدا، عدا أن مجمل الأحداث بدا لي في النهاية كأنه خرج من رحم الأناجيل والتوراة وكتب أخرى أكثر مما من القرآن الكريم.
يروي المسلسل طفولة موسى، عليه السلام، التي عبرت عن تاريخ التضحية الأولى في سيرته النبوية. وإن بدت مشاهدها موافقة بعض الشيء للنص القرآني إلا أنها انحرفت قليلا عن معيار ما حدث إلى ما هو متخيل أو مبني على مراجع غير دقيقة، لهذا وقع المسلسل في التباسات عديدة منها أن ابنة فرعون هي من التقطت موسى وتبنته، لا كما ورد في القرآن: "وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه".
كما أظهر المسلسل الذي لعب الممثل الإسرائيلي عوني أزولاي دور البطولة فيه جرأة كبرى، كتجسيد صوت الله، إضافة إلى الحميمية العاطفية كتقبيل موسى لزوجته أمام الملأ، في تجاهل صريح لعصمته أو مراعاة أخلاقه وسلامة صورته أمام من يشاهد سيرته التي خرجت علينا بأسلوب فني لا يليق مع ما حدث برسالته التي واجه خلالها الكثير من العناء والعصيان من قومه بني إسرائيل.
خرجت سيرة موسى بأسلوب فني لا يليق مع ما حدث برسالته التي واجه خلالها الكثير من العناء
وبما أننا في عصر القوة الناعمة وتداعيات السيطرة الذهنية، أستطيع القول إن المسلسل يتبنى الروايات الكاملة التي تفيد اتجاها معينا في نهاية المطاف. ففي الجزء الوثائقي مثلا ظهر الحاخام اليهودي موريس هاريس وهو يتكلم بتسام عال، قائلا: "كان فرعون منغمسا بشدة في غطرسته، الى درجة عدم سماعه لأحد إلا نفسه، والتناقض بين انهيار كل شيء والمضي قدما رغم ذلك يذكرني بهتلر".
إن خطاب هاريس هذا يذكر أيضا بالمحتل الإسرائيلي المتغطرس وبما يرتكبه اليوم في فلسطين وأهلها منذ احتلاله لها، غافلا عن أن قصة موسى المخلص لبني إسرائيل جاءت لرفع الظلم والقتل عن الأبرياء.
يطرح هذا المسلسل السؤال حول ما الذي علينا فعله من أجل نشر الروايات السليمة لسير الأنبياء والرسل بما أننا نملك الحقائق الكثيرة، ولدينا المفسرون والباحثون والمحللون الأكفاء في العالمين العربي والإسلامي، القادرون على إخراج النصوص الموازية الدقيقة وبثها وفق أعمال تاريخية أو وثائقية، تسخر لها كل الإمكانات لجعلها منهج حياة تكامليا لأتباع اليهودية والنصرانية والإسلام الذي يعد أكثر هذه الأديان تعظيما وذودا عن الأنبياء والمرسلين، وقرآنه الذي جمع الكتب السماوية وجاءت إحدى سوره باسم الأنبياء، وفيه ذكر النبي موسى مئة وستا وثلاثين مرة بمواضع متعددة شملت مجمل حياته.
يحدونا الأمل في ولادة مركز أو متحف أو مجمع عربي عالمي خاص بتاريخ الأنبياء والرسل
إننا، وأمام مثل هذا المساس بالذات الإلهية، والشخصيات العظيمة في حياة البشرية، والذي بدوره قد يثير ويؤجج مشاعر المسلمين في شتى أنحاء العالم، ليحدونا الأمل في ولادة مركز أو متحف أو مجمع عربي عالمي خاص بتاريخ الأنبياء والرسل، على غرار مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات (كايسيد)، أو متحف "السلام عليك أيها النبي" أو المعرض الدولي للسيرة النبوية والحضارة الإسلامية بالمدينة المنورة الذي تشرف عليه رابطة العالم الإسلامي، أو معرض الهجرة النبوية الذي نفذه مركز "إثراء".
ختاما، لا يهم اسم أو شكل هذا المركز، المهم أن يكون مرجعا تاريخيا ومختبرا للبحوث والدراسات المتخصصة، يجتمع داخله علماء العالم ليجمعوا الشعوب على تاريخ موحد لأنبياء الله ورسله، ويكون لبنة أساسية للأفلام الوثائقية أو الدراما التاريخية الموثوق بها التي تتصدى لأي تشويه متعمد أو ممنهج.