هانة أورستافيك لـ "المجلة": مصدر الحزن في العالم أننا لا نتلقى الحب كأطفالhttps://www.majalla.com/node/315186/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D9%87%D8%A7%D9%86%D8%A9-%D8%A3%D9%88%D8%B1%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%81%D9%8A%D9%83-%D9%84%D9%80-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D9%85%D8%B5%D8%AF%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B2%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A3%D9%86%D9%86%D8%A7-%D9%84%D8%A7-%D9%86%D8%AA%D9%84%D9%82%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A8-%D9%83%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84
القاهرة: "أعتقد أننا بحاجة إلى الحب لكي نعيش، لكي نبقى على قيد الحياة". هكذا تلخص الكاتبة النرويجية هانة أورستافيك رؤيتها للحياة والفن. تعد أورستافيك المولودة عام 1969 بمدينة تانا شمال النرويج واحدة من أبرز الأدباء النرويجيين وقد ذاع صيتها بعد إصدار روايتها "حب" عام 1997 كما صدرت أخر رواياتها "ابقَ معي" عام 2023. ترجمت أعمالها إلى أكثر من 12 لغة من بينها العربية. وحصلت على عدة جوائز من بينها "بن العالمية". التقتها "المجلة" بالقاهرة بعد ندوتها " محفوظ بعيون نرويجية" التي أقيمت على هامش الدورة الأخيرة من معرض القاهرة الدولي للكتاب.
ناقشت العلاقة بين الأم والابن في روايتيك "الغرفة الزرقاء" و"حب"، وفي محاضرتك عن رواية محفوظ "بين القصرين" ذكرت “عند قراءة هذه الرواية وكل الأحداث التي تقع لأبطالها، تمنيت دائما أن يقابلهم الحب، أو أن يجدوا الحب في داخلهم. أن شيئا ما سيتحول فيهم حتى يشعروا بالعمق ويصبحوا أقرب بعضهم من بعض". أخبرينا المزيد عن هذا التقارب السردي على الرغم من اختلاف الثقافة والزمن.
لطالما تساءلت منذ نعومة أظافري: ماذا نفعل هنا؟ ماذا نفعل في هذه الحياة إذا لم يكن هناك فرح ولا حب؟ في كتاباتي، بحثت عن الحب. لقد حاولت أن أفهم ما هو، وأين هو، وكيف هو. أعتقد أن شخصيات الروايتين اللتين ذكرتهما، كما في رواية نجيب محفوظ، تبحث جميعها عن الحب كشيء يجب أن يُمنح من شخص آخر، خارج أنفسهم. مصدر الحزن في هذا العالم هو أننا إذا لم نتلق الحب كأطفال، فإننا لا نشعر به في داخلنا. لذلك نحن نكبر، ونبحث عنه، هناك. أعتقد أن هذه الأعمال تظهر بطريقة أو بأخرى تلك المساحة الفارغة بداخلنا، والتي نتمنى أن يأتي شخص ما ويملأها.
إن تكرار الافتقار إلى الحب، وتكرار الألم، من جيل إلى جيل، هو اليأس العميق للحياة
تدور أحداث "حب" خلال رحلة في ليلة باردة بين "يون" وأمه "فيبيكة"، مما يظهر للقارئ مدى الوحدة العميقة التي يشعر بها كل منهما...
تدور أحداث "حب" خلال ليلة شتوية باردة جدا. ينظر "يوون" من نافذة المنزل إلى الثلج الذي يتساقط، في انتظار عودة والدته من العمل. إنه المساء الذي يسبق عيد ميلاده، وغدا سيبلغ التاسعة. يرغب في الحصول على لعبة قطار كهربائي، وبعض قطع مجموعة القطار، وقاطرة. خلال الرواية يظل الطفل يفكر في هذا القطار. عندما تصل أمه، يتناولان النقانق معا على العشاء، ثم يذهب كل منهما في طريق منفصل. يخرج"يون" لبيع تذاكر اليانصيب لصالح فريق التزلج الرياضي الخاص به. وتذهب الأم إلى المكتبة، لكنها تجدها مغلقة، فينتهي بها الأمر في معرض ترفيهي في الثلج، تيفولي، حيث تلتقي توم، الرجل الذي يعمل هناك. يتحرك كل من "فيبيكة" و"يون" في ظلام ليلة الشتاء في أقصى شمال النرويج، شمال الدائرة القطبية، حيث نشأت أنا أيضا. كتبت هذه الرواية منذ 28 عاما، حين أنجبت ابنتي الوحيدة. كان السؤال الذي ظلّ يلح عليّ في تلك الفترة: كيف يمكن أن تدرك عمق محبتي لها؟ لأننا يمكننا أن نقولها مرات ومرات، لكن هل سيصلها فعلا صدق هذا الشعور؟الآن، بعد كل هذه السنوات، أعتقد أنني وبشكل شخصي لم أكن أعرف ما الحب حينها. وشعرت بالخطر والوحدة، أن أقف هناك مع طفلتي، وأريد أن أعطيها كل شيء، دون أن أعرف شيئا عن كيفية القيام بذلك.
تمضي الفناة العشرينية "يوهان" بطلة رواية "الغرفة الزرقاء"يومها داخل غرفتها لأن والدتها حبستها قبل ذهابها إلى العمل لتمنعها من ترك المنزل، ويقضي القارئ وقته داخل رأس الفتاة وهي تتأمل حياتها وعلاقتها بأمها. هل تعتقدين أن تربية بعض الآباء الخاطئة تسبب أمراضا نفسية وعقلية لدى أطفالهم؟
أعتقد أننا بحاجة إلى الحب لكي نعيش، لكي نبقى على قيد الحياة. فالحب هو معنى الحياة. ولكن أين وكيف نتعلم الحب إذا لم يتعلمه آباؤنا من ذويهم؟ إن تكرار الافتقار إلى الحب، وتكرار الألم، من جيل إلى جيل، هو اليأس العميق للحياة. أعتقد أن مهمتنا، ومهمتي في هذه الحياة، أن أتعلم كيف أحب نفسي، لأنني لم أتعلم ذلك عندما كنت طفلة. عندما أعتني بنفسي بالحب، أستطيع أن أحب الآخرين. الكتابة هي فعل حب، لأنها تعني أن أكون قريبة من حقيقتي وذاتي، وهناك جمال في الحقيقة، ويتجسد الوجود الإلهي أيضا في الحب، في هذا العالم. ولهذا السبب فإن الإبداع قوي جدا.
الرواية القصيرة
تكتبين دائما الروايات القصيرة مستعينة بلغة وصفية مكثفة، هل تؤمنين بأن الأدب الناجح يقوم على صدق الطرح مهما بلغ عدد الكلمات أو الصفحات؟
نعم، أعتقد أنني إذا كتبت ما يجب أن أقوله، بالطريقة التي من الممكن أن أقولها، فهذا كاف. أريد أن أفتح مكانا، في كتابتي، أفتحه لنفسي، عندما أكتب، وهو موجود، في النص، حتى يمكن للقارئ أيضا الذهاب إلى هناك، يفتح نفسه في هذا المكان. هذا ليس مكانا، مكانه في الرواية نفسها، بل هو مكان داخل الشخص الذي يقرأ. أعتقد أن الكتابة تفتح ذلك المكان، فاللغة تشرع المشاعر والعواطف والتجارب خلال القراءة، والكتابة تجعل مشاركة ذلك ممكنا.
الأدب هو الذي يبقي الأمل حيا فينا، وفكرة أن الحقيقة موجودة، وأن هناك جمالا مهما بلغت درجة القباحة
كيف تنظرين إلى مستقبل الأدب النرويجي؟
النرويج دولة صغيرة، عددنا 5 ملايين نسمة، وأنتم في مصر 105 ملايين نسمة، والنرويج لديها إرادة سياسية قوية ومهمة للحفاظ على لغتنا وفنوننا الكتابية، من خلال دعم النظام الأدبي للمكتبات والناشرين والكتاب. لقد استمرت السياسة النرويجية في هذا النظام لفترة طويلة، ونحن نرى ثماره في ازدهار التنوع الهائل في الأدب النرويجي.
هل هناك كتاب نرويجيون تحبينهم بشكل خاص وتعتقدين أنهم لم ينالوا حظهم من الترجمة إلى لغات أخرى؟
الكاتبة إنغر براتفيت موهوبة للغاية ولم تترجم بعد. لا أستطيع الانتظار لرؤية أعمالها تخرج إلى العالم.
الأدب والأزمات
نعيش في عالم مضطرب، مليء بالحروب والأزمات. هل ترين أن للأدب دورا في معالجة هذه الأزمات؟
نعم، أؤمن بذلك بعمق. في الكتابة، وفي القراءة، نذهب إلى مساحتنا الداخلية السرية والمخفية. نذهب إلى المرج الجميل الغني الذي نحن فيه بالداخل. ونتحاور مع أنفسنا. من خلال الكتابة والقراءة يمكننا أخيرا اكتشاف ذواتنا على حقيقتها، دون تدخل من أحد. نحن نفعل ذلك، بمفردنا. وهذا يمس أعمق ما فينا، ولذلك يحتلّ الأدب مكانا مقدسا في داخلنا، في أرواحنا. الأدب هو الذي يبقي الأمل حيا فينا، وفكرة أن الحقيقة موجودة، وأن هناك جمالا مهما بلغت درجة القباحة، ونحن نشعر بذلك عندما نقرأ، وهذه طريقة ليس فقط للشعور بالحب، بل للحب في حد ذاته.