يرى بعضهم أن الانتخابات الأميركية المقبلة ستؤسس لسابقتين في تاريخها: سابقة أول رئيس سابق يتنافس مع رئيس حالي، وأول رئيس سابق يعود إلى الحكم بعد انقطاع عن البيت الأبيض. وهما مرتبطتان بطموحات دونالد ترمب، وسعيه لهزيمة خصمه الرئيس الحالي جو بايدن في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ولو تحقق ذلك فسيكون إنجازا كبيرا بالنسبة له، ولكن ليس فيه أية سابقة تاريخية، فكل ذلك قد حدث من قبل، في ظروف مختلفة ومع رؤساء مختلفين، ففي نهايات القرن التاسع عشر، خاض الرئيس الديمقراطي غلوفر كليفلاند الانتخابات الرئاسية، عند انتهاء ولايته الأولى (1885-1889)، وهُزم أمام خصمه بنيامين هاريسون. لم تعجبه النتيجة، ورفض تقبلها معلنا عزمه على الثأر، تماما كما حدث مع ترمب قبل أربع سنوات. انتظر كليفلاند أربع سنوات، ورشح نفسه من جديد ضد هاريسون، وانتصر عليه سنة 1893. وهذا ما جعله أول رئيس أميركي يدخل البيت الأبيض بولايتين غير متتاليتين.
ولكنّ عنصر التشابه بين ترمب وكليفلاند ينتهي عند هذا الحد، فالأخير لم تكن لديه أية فضائح، ولا محاكمات مدوية، ولا تقلبات مزاجية، ولا ثورات غضب ضد خصومه وكل من يخالفه الرأي. عُرف كليفلاند بأدبه وخلقه الرفيع، وقد لخص حياته المؤرخ الأميركي آلان نيفنز بالقول: "تكمن عظمة كليفلاند في الصفات النموذجية مع أنها ليست استثنائية، فكان يتمتع بالصدق والشجاعة والحزم والفطرة السليمة، وكلها بدرجة لا يمتلكها الرجال الآخرون".
محاولة هوفر وفشله
ثم جاءت تجربة الرئيس هربرت هوفر ما بين 1929 و1933 الذي كان مثل دونالد ترمب جمهوريا متعصبا لحزبه، ومثله أيضا ثريا قبل دخوله البيت الأبيض. وقد جمع ثروته الطائلة من عمله في المناجم، مستثمرا ومستشارا، ولكنه هُزم في انتخابات عام 1932، عاد ليرشح نفسه ثانية سنة 1940، ورأى أنه أصغر من أن يعتزل الشأن العام وهو في الثامنة والخمسين من عمره، فترشح للرئاسة بعد ثماني سنوات من قضاء مدته الأولى وخسر، فتقبل النتيجة هذه المرة، وانصرف لكتابة مذكراته. وعندما عرض عليه الرئيس جون كنيدي مناصب مختلفة مطلع الستينات، رفضها كلها قبل وفاته سنة 1964.