على مدى التاريخ الإسلامي، حفل مفهوم "الدولة" بالكثير من التجاذبات الكلامية والفقهية والتي كشفت عن أزمة حقيقية في التفريق بين الديني والدنيوي. يرجع ذلك لسيطرة مسألة "الخلافة" على تصور الدولة الإسلامية عند النُخب التي ناقشت فكرة الدولة، سواء في العصور القديمة، أو العصر الحديث (أي مرحلة ما بعد الصِدامِ مع أوروبا وانهيار آخر دولة تعتبر نفسها خلافة إسلامية).
يجدر التنويه إلى مسألة انشغال الفقهاء بموضوعات ترجع لعهود قديمة بدلا من محاولتهم إعمال الفقه في الواقع المُعاش اليوم. فكما أن موضوع زكاة الإبل والزرع أصبح مقصورا على فئات محددة من مجتمعات محدودة ولم يعد هو الحالة السائدة عند عموم المسلمين، فإن موضوع "الدولة الإسلامية" لم يعد هو الواقع الذي تعيشه معظم البلدان ذات الأغلبية المسلمة.
نأخذ هنا على سبيل المثال مفهوم "السيادة" عند دارسي العلوم السياسية والذي يوصّفُ سلطة الدولة المحدودة داخل إطار جغرافي يعيش فيه مجموعة من البشر (أي المواطنين). وفي ظل غياب مفهوم السيادة في الأدبيات الإسلامية، يحضر مفهوم الحاكمية بوصفه المصطلح الذي يشير إلى الحق في الحكم وسنِّ القوانين.
وقد وصف أبو حامد الغزالي الحاكمية بأنها "طاعة الله وطاعة من وجبت طاعته عند الله" استنادا إلى الآية القرآنية (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلا) (سورة النساء 59). وعليه، فإن الله هو مصدر الحاكمية، ولا تستمد الحاكمية إلا منه ثم من رسوله، ثم ممن يتولى "الأمر" من بعد الرسول حيث يجب على الجميع طاعته.