أدخلت ليلة 13-14 أبريل/نيسان، الشرق الأوسط في المجهول، ذلك أنها كانت أول مرة تشهد فيها المنطقة هجوما إيرانيا مباشرا وعلنيا ومعترفا به ضد إسرائيل. ولم تشهد المنطقة من قبل إطلاق مئات الطائرات المسيرة والصواريخ في موجة واحدة. أما الرد الإسرائيلي (الذي حصل ليل 19-19 أبريل باستهداف مواقع في أصفهان) فسيحدد ما إذا كان هذا الهجوم هو الهجوم "غير المسبوق" الوحيد الذي ستشهده المنطقة.
قبل التصعيد الأخير، ظل الصراع الأساسي بين إسرائيل وإيران في "الظل"، لسبب بسيط، وهو أن ذلك الوضع كان يناسب الطرفين. ومن خلال عدم الاعتراف صراحة بحالة الحرب الفعلية التي كانت قائمة، لم يستطع أي من الطرفين محاصرة الآخر وإحراجه. وكان هناك سحر معين: فكأن الامتناع عن النطق بكلمة "حرب" يكفي ليعني عدم وجودها. وهذا الغموض سمح بالقدرة على المناورة ووفر مساحة لخفض التصعيد.
بالنسبة لإسرائيل، كانت "الحملة بين الحروب"- الاستراتيجية المعتمدة على نطاق واسع للتعامل مع إيران- وسيلة فعالة لاستهداف إيران وقدراتها المقلقة وتقليص تأثيرها دون الانجراف إلى صراع مباشر. هدفت هذه الحملة إلى إضعاف إيران ووكلائها، دون التورط في صراع عسكري شامل. وعلاوة على الجانب العسكري، فقد فتح التهديد الإيراني الباب أحيانا لتعزيز التطبيع الإسرائيلي مع الدول العربية في المنطقة. وفي الكثير من الحالات، كانت إيران أفضل من يسوّق لإسرائيل في المنطقة.
ويمكن قول الشيء نفسه بالنسبة لإيران. فمن خلال تأطير تطلعاتها الإقليمية حول خطاب "مقاومة" إسرائيل والدفاع عن فلسطين- رغم أن غالبية عملياتها تحدث خارج الأراضي الفلسطينية ونادرا ما تكون ضد إسرائيل بشكل مباشر- اكتسبت إيران نفوذا ودعما في جميع أنحاء المنطقة. وحتى عندما أطلقت الصواريخ على القدس، أكد المرشد الأعلى الإيراني أنها كانت تسعى إلى "تحرير فلسطين." والشيء بالشيء يذكر، فحين ينعى "حزب الله" قتلاه، فإن أي عضو من أعضائه يقضي بسبب إسرائيل يموت "على طريق القدس"، رغم أن الكثير منهم انعطفوا في سيرهم واتجهوا للقتال في حلب أو القصير في سوريا.
انتهت هذه الديناميكية المضطربة بين البلدين، وبغض النظر عما إذا كانت هذه النهاية دائمة أم مؤقتة، فإنها ستؤدي إلى تصعيد المخاطر بشكل كبير. فإيران اعتبرت الضربة الإسرائيلية لقنصليتها في دمشق تجاوزا للخطوط الحمراء، في حين اعتبر رد الفعل الإيراني أيضا تجاوزا للخطوط.
وضع قواعد "معادلة" جديدة
إن الطبيعة غير المسبوقة للضربات المتبادلة الأخيرة بين إيران وإسرائيل هي بالضبط ما يجعل الأمر خطيرا. فالجانبان لا يفكران في ردود أفعالهما الفورية فحسب، بل يفكران أيضا في كيفية تأثير هذه الردود على الديناميكيات المستقبلية للصراع الذي كان حتى وقت قصير يدور إلى حد كبير في الظل. بعبارة أخرى، عندما تفكر إسرائيل في كيفية الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوق فإنها لا تفكر فقط في التكاليف والفوائد الحالية، بل تفكر أيضا في مدى تأثيره على جولات العنف اللاحقة. فالطرفان يتمتعان بمجموعة القواعد غير المكتوبة للصراع، والتي يشار إليها غالبا باسم "المعادلة"، لتوقع الآثار المترتبة على أفعالهما.