ما سر هدوء أسواق النفط رغم التوتر الإيراني -الإسرائيلي؟

لا تزال ممرات النفط الرئيسة في مرمى النيران والحوثيون يهاجمون حركة الملاحة في البحر الأحمر

.أ.ف.ب.
.أ.ف.ب.
صورة نشرتها وزارة الدفاع الهندية لناقلة نفط بريطانية يتصاعد منها الدخان بعد نداء الاستغاثة من السفينة أثناء عبورها خليج عدن، 27 يناير 2024

ما سر هدوء أسواق النفط رغم التوتر الإيراني -الإسرائيلي؟

كانت أسواق الطاقة، التي أذكت لهيبها أيام من التهديدات الإيرانية الشديدة الوضوح بشن هجمات انتقامية على إسرائيل، مهيأة للانفجار هذا الأسبوع. لكن ما إن انقشع الغبار الذي خلفه الهجوم الإيراني غير الفعال إلى حد كبير بالمسيّرات والصواريخ على إسرائيل، يوم السبت، حتى تبين أن ما كان ينتظره المتداولون أقل من المتوقّع بكثير.

تراجعت أسعار النفط الخام في لندن ونيويورك في تداولات يوم الاثنين، مما يؤكد أن المخاوف من تصاعد حرب في الشرق الأوسط تشارك فيها إحدى أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم، بدت مبالغا فيها - في الوقت الحالي على الأقل. لم تستهدف الهجمات الإيرانية أي بنية تحتية للطاقة الإسرائيلية، ومع أن طهران حصلت على مساعدة من المسلحين الحوثيين المتحالفين معها في اليمن، فإن تلك الضربات استهدفت إسرائيل نفسها، وليس حركة الملاحة في البحر الأحمر التي كانت هدف الحوثيين المفضل منذ أكتوبر/تشرين الأول.

في انتظار الأسوأ الذي لم يقع

خيبت السوق التوقعات، لأن ما حدث في عطلة نهاية الأسبوع لم يكن ذا تأثير أسوأ على أسواق الطاقة من الناحية العملية من أي شيء آخر يحدث منذ هجوم "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول. فلا تزال إيران ووكلاؤها يطلقون النار على إسرائيل التي لا تزال تحارب "حماس". ولا يزال الحوثيون يهاجمون حركة الملاحة في البحر الأحمر ويجبرون العديد من شركات النفط الغربية على الابتعاد عنه، لكن المسلحين لم يطلقوا النار على أي ناقلة نفط بعد. وكانت التهديدات الإيرانية المتكررة بإغلاق مضيق هرمز الإستراتيجي الأكثر أهمية جوفاء، ككل تهديداتها الأخرى بالقيام بذلك في العقود القليلة الماضية.

يمكن أن يعزى جزء من هذا التفاؤل إلى التغييرات التي طرأت على كيفية إمداد سوق النفط العالمية. فالولايات المتحدة هي المنتج الأكبر في العالم

وكان المتداولون بالنفط قد رفعوا سعر الخام مما بين 70 و80 دولارا للبرميل إلى نحو 90 دولارا للبرميل منذ أوائل ديسمبر/كانون الأول، وسجلت أكبر قفزة للسعر في الأسابيع القليلة الماضية، في انتظار الأسوأ. لكن الأسوأ لم يقع بعد. ومع ذلك، لا يزال ممكن الوقوع، لا سيما أن الولايات المتحدة وإسرائيل تعدان للرد على الأعمال الانتقامية الإيرانية.

 ويقول ريتشارد برونز، المؤسس المشارك ورئيس الجغرافيا السياسية في مؤسسة "إنرجي أسبكتس" للاستشارات البحثية في لندن، "هناك أخطار جيوسياسية منخفضة لكنها لم تتلاشَ تماما. من المنطقي انخفاض السعر قليلاً، لكن لا يتوقع عودته إلى ما كان عليه في بداية العام، لمجرد أن هذه المواجهة المحددة لم تتحقق".

...لكن الأسوأ قد يقع

تعلمت أسواق النفط التعامل مع الأزمات الجيوسياسية بطريقة لم يكن يمكن تصورها قبل سنوات، عندما كان مجرد التلميح إلى تصعيد كبير في الشرق الأوسط كفيل أن يُجفل عقود النفط الخام ويجعل الرؤساء الأميركيين يتطلعون إلى تحرير احتياطيات النفط الإستراتيجية. ويمكن أن يُعزى جزء من هذا التفاؤل إلى التغييرات التي طرأت على كيفية إمداد سوق النفط العالمية. فالولايات المتحدة هي المنتج الأكبر في العالم، وسيأتي النمو في إمدادات النفط العالمية في للسنة الجارية والسنة المقبلة من الولايات المتحدة ودول أخرى في الأميركتين مثل البرازيل وكندا وغيانا. وعلى الرغم من استمرار نمو الطلب العالمي على النفط، فإنه أخذ يتباطأ مع نجاح العالم في التخلص من إسرافه في أعقاب ما بعد الجائحة.

.أ.ف.ب

والنتيجة النهائية هي أن سوق النفط العالمية لا تكاد تشهد فائضاً في العرض مع أنها ليست مشدودة للغاية أيضا. وبفضل الانضباط الذاتي لمنظمة "أوبك" وشركائها في كبح الإنتاج، هناك كثير من السعة الإنتاجية الاحتياطية للنفط في السوق العالمية - مخزون للطوارئ (وإن كان يصعب تفعيله الآن) يبقي أسواق النفط أكثر استرخاءً قليلاً مما قد توحي به العناوين الرئيسة.

لكن الأسوأ قد يقع. فمع استمرار التوازن الدقيق بين العرض والطلب على النفط العالمي وعزم تحالف "أوبك" الموسع على إبقاء الإنتاج تحت السيطرة لدفع الأسعار إلى الارتفاع قليلاً، لا يزال هناك مجال لصدمة سياسية أو جيوسياسية أو اثنتين، لإحداث اضطراب في أسواق النفط. وهناك الكثير مما قد يحدث.

لا تزال ممرات النفط الرئيسة في مرمى النيران، ولا يزال الحوثيون يهاجمون حركة الملاحة في البحر الأحمر

ويقول كيفن بوك، المدير العام لـ"كلير فيو إنرجي بارتنرز"، وهي شركة استشارات للطاقة مقرها في واشنطن: "لا أعتقد أن في وسعنا النظر إلى إيران وإسرائيل بمعزل عن الأخرى. ومن المقرر أن تنتهي العقوبات المفروضة على فنزويلا هذا الأسبوع. كما أن أوكرانيا تواصل استهداف المصافي الروسية. وينظر الكونغرس في فرض عقوبات على صادرات إيران إلى الصين. إن سوق النفط مثل كلب بودل فرنسي مشدود بإحكام، ويركض بنسبة 97 في المئة من طاقته الكاملة عندما يكون سعيدا، لذا لا حاجة إلى جذب مقود بشدة لكي ينبح".

النفط في مرمى النيران

أولاً، لا تزال ممرات النفط الضيقة الرئيسة في مرمى النيران. ولا زال الحوثيون يهاجمون حركة الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، الذي يمر عبره 12 في المئة من إمدادات النفط الخام العالمية المنقولة بحراً. ولا يزالون يطلقون النار على السفن، وإن لم يكن على ناقلات النفط. وتفيد القيادة المركزية الأميركية عن استمرار إطلاق الحوثيين للمسيرات والصواريخ المضادة للسفن التي تبقي السفن الأميركية وسفن التحالف مشغولة في هذا الممر المائي الضيق.

رويترز
علم إيران مع رسم بياني ومضخة نفط، 9 أكتوبر 2023

ولا تزال إيران قادرة على إثارة المشاكل في مضيق هرمز، وهو ممر مائي أكثر حيوية على الجانب الآخر من المملكة العربية السعودية يمر عبره معظم النفط الخام السعودي والكويتي وكل النفط الخام الإيراني تقريبا.  وقد استولت القوات الإيرانية هناك يوم السبت على سفينة مرتبطة بإسرائيل، وأعاد القادة العسكريون الإيرانيون التأكيد في الأسبوع الماضي أن إيران يمكن أن تحاول إغلاق مضيق هرمز بوصفه وسيلة للضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل. (إغلاق مضيق هرمز ليس بالأمر السهل كما تعتقد إيران، ومع ذلك فإن فتحه ليس بالأمر غير المؤلم كما ترغب الولايات المتحدة).

ثانياً، تعهدت إسرائيل بالرد على الهجوم الانتقامي الذي شنته إيران، على الرغم من عدم تحديد توقيت هذه الضربة وشكلها. يتوقع المحللون أن تهاجم إسرائيل الأصول العسكرية الإيرانية على الأرجح، بالأسلحة الإلكترونية أو بضربة عسكرية. ويبدو أن شن هجوم إسرائيلي على منشآت نفطية إيرانية - تعد أهدافا مدنية مع أنها حيوية لموازنة طهران العسكرية - أقل احتمالا ولكنه غير مستبعد تماما (نقلت أوكرانيا الحرب إلى قطاع النفط الروسي في محاولة لضرب الكرملين حيث يؤلمه).

إن أي هجوم لاحق على صناعة النفط الإيرانية يمكن أن يحدث اضطرابا في سوق لا تكاد تتدبر أمرها من دون مساعدة كبيرة من "أوبك" أو أعضائها

إن أي هجوم لاحق على صناعة النفط الإيرانية يمكن أن يحدث اضطرابا في سوق لا تكاد تتدبر أمرها من دون مساعدة كبيرة من "أوبك" أو أعضائها. وقد حققت إيران أكبر نمو في الإنتاج في تحالف خفض الإنتاج في العام الماضي بخلاف ذلك، وهي تنتج الآن نحو 3.2 ملايين برميل من النفط يوميا - - على الرغم من العقوبات الأميركية الاسمية.

أثر العقوبات على أسعار النفط

هناك خطران آخران على أسعار النفط لا ينطويان على تفجير أي شيء. الكونغرس الأميركي يدرس احتمال فرض عقوبات قائمة من العقوبات الإضافية على إيران، بما في ذلك مشروع قانون يستهدف البنوك الصينية التي تساعد إيران في تجارة النفط. وذلك إجراء دقيق الاستهداف: تستورد الصين نحو ثلث النفط الإيراني وتستأثر بكل نمو الصادرات الإيرانية المتحقق حديثا. وقد قدر بوك أن هذا الإجراء إذا تم سنّه وتنفيذه، يمكن أن يرفع أسعار النفط بنسبة تصل إلى 10في المئة، أو ما يعادل نحو 8 دولارات للبرميل.

.أ.ف.ب
مضخة نفط بالقرب في موناهانز، تكساس في 27 مارس 2024

إن إدارة بايدن غير متحمسة لارتفاع أسعار نفط أعلى في عام الانتخابات. وقد أوضحت ذلك لأوكرانيا، وحذرت كييف تكرارا من مهاجمة الأصول النفطية الروسية الحيوية، خشية ارتفاع أسعار البنزين في الولايات المتحدة بمقدار ربع دولار للغالون. لكن قد يكون من الصعب مقاومة الضغوط القوية التي يمارسها الكونغرس، خصوصا عندما يتعلق الأمر بضرب إيران، وغالبا ما تكون محصنة ضد استخدام الفيتو الرئاسي، كما أشار بوك.

الاتفاق النووي

هناك خطر آخر على أسعار النفط متعلق بالعقوبات. يمكن أن تدعو الأطراف الأوروبية المشاركة في خطة العمل الشاملة المشتركة، أي الاتفاق النووي الإيراني الذي لم تعد الولايات المتحدة طرفا فيه، إلى إعادة فرض عقوبات في الأمم المتحدة محصنة من حق النقض. وستؤدي مثل هذه الخطوة إلى تشديد الضغط على صادرات النفط الإيرانية المنتعشة أخيرا، مما سيجعل سوق النفط شبه المقيدة بالفعل أكثر تقييدا.

ويقول برونز، "تتكيف السوق عندما تكون هناك فترة متوقعة الشدة، ولكن عندما تحدث الشدة تدريجيا في الخلفية، ويقع شيء ما، يمكن أن تستيقظ وتجد أن السوق ارتفع بمقدار 10 دولارات".

font change

مقالات ذات صلة