الناقد السعودي سعيد السريحي في صدد دراسة السرديات التي هيمنت خلال "الصحوة"

الأسئلة الفلسفية التي نصل إلى إجابات عنها أسئلة زائفة

Grace Russell
Grace Russell
سعيد السريحي

الناقد السعودي سعيد السريحي في صدد دراسة السرديات التي هيمنت خلال "الصحوة"

لا يمكن التطرق إلى حركة الحداثة في المملكة العربية السعودية والعالم العربي، دون ذكر اسم أحد أبرز أعمدتها، سعيد السريحي، المولود عام 1953 في جدة، الناقد والمشتغل بالأدب والشعر والمحاضر بجامعة أم القرى، عضو الهيئة الاستشارية للثقافة والفنون، وعضو اللجنة الاستشارية للمجلة الثقافية والأدبية العريقة، "النص الجديد"، التي يُعاد إصدارها بدعم من هيئة الثقافة والفنون، بعد توقف دام 23 عاما.

انشغل بالتجديد والتحديث مع ثلة من المجددين السعوديين، وفي رصيده أكثر من خمسة عشر مؤلَفا معظمها في النقد فضلا عن اشتغالاته الأدبية، ككتابه السيرة الذاتية، "الحياة خارج الأقواس"، ورواية "الرويس "، ولا يزال يتطلع إلى إنتاجات جديدة وشروح أوسع مما قدمه، هنا حوار معه.

  • لنبدأ من إعادة إصدار مجلة "النص الجديد" وأنت على رأس الهيئة الاستشارية لها، كيف ترى إعادة إصدار أكثر من مجلة في المملكة، و"النص الجديد" إحداها، التي كان لها دور كبير وكانت حصيلة جهد في مسيرة الحداثة منذ ثمانينات القرن الماضي، خاصة أن الكثير من النقاد يربطون ما بين الحركة النقدية والصحافة الأدبية؟

- أبدأ من حيث انتهى السؤال، وقد تضمن مسألتين أرى أنهما بحاجة للتدقيق، تتصل الأولى منهما بالإشارة إلى أن مسيرة الحداثة بدأت منذ الثمانينات، والأخرى بالربط بين الحركة النقدية والصحافة الأدبية، وكلتا المسألتين تحتاجان إلى تصحيح تقتضيه أمانة التاريخ لحركة الحداثة في المملكة.

لمجلة "النص الجديد" قيمة رمزية تتمثل في أنها عمل مؤسسي نهض به الحداثيون، شعراء وكتّاب سرد ونقادا، كما أنها تمثل مرحلة النضج 

الحداثة بدأت في أواخر السبعينات، وكان الشعر رائدها، كان الشعر ولم يكن النقد، كان ثلة من الشباب يغامرون صوب آفاق جديدة في التجربة الشعرية، فبرز سعد الحميدين، وعبد الكريم العودة وعلي الدميني، وتلاهم في المغامرةعبد الله الصيخان ومحمد جبر الحربي، ثم محمد الثبيتي، ممن حظوا باهتمام يشبه المباركة الأبوية من محمد العلي وعبد الله نور، ولم يكن آنذاك صوت للنقاد الذين ظهروا في النصف الثاني من الثمانينات. كنتُ وسعد البازعي ومعجب الزهراني مشغولين برسائلهم العلمية، ولم يكن عبد الله الغذامي يجد حرجا في المشاركة بأمسية شعرية في جمعية الثقافة والفنون في الطائف إلى جوار أحمد باعطب وعبد الرحمن العشماوي مطلع الثمانينات ولم تكن تجربته الشعرية بعيدة عن تجربتهما.

أعود بعد ذلك إلى السؤال، مشيرا إلى ما لمجلة "النص الجديد" من قيمة رمزية تتمثل في أنها عمل مؤسسي نهض به الحداثيون، شعراء وكتّاب سرد ونقادا، كما أنها تمثل مرحلة النضج كذلك، وإضافة إلى ذلك كله فقد كانت تشكل جبهة موحدة في مواجهة تيار التشدد وجماعات الصحوة التي كانت تعمل جاهدة على تشويه الحداثة وتقويض منجزاتها.

عودة مجلة "النص الجديد" تمثل استعادة رمزية لتلك القيمة. وإذا كان اختلاف الظروف لا يمنح هذه العودة الوهج الذي كان لها، فإن احتفاظها بالتوجه الحداثي يمكنه أن يمنحها القيمة في ضوء تكاثر المجلات وتعددها.

ولم ترتبط الملاحق بالنقاد، فقبلهم كان ملحق "المربد" في جريدة "اليوم" والملحق الثقافي في جريدة "الرياض" والصفحات الثقافية لمجلة "اليمامة"، وهذه هي الملاحق التي احتضنت تجارب الحداثة الشعرية واحتضنت بعد ذلك دراسات النقاد ومقالاتهم.

الحديث والجديد

  • تضمن العدد الأول من المجلة بعد إعادة صدورها، افتتاحية تميز بين مصطلحي الجِدة والحداثة وسبب اختيار الأول ليكون في اسم المجلة، قدمها الدكتور سعد البازعي وهو أيضا من الهيئة الاستشارية للمجلة، هل يمكننا القول إنه لا يزال هناك حتى الآن في عالمنا العربي بالعموم معارك متجنبة للحداثة كي يتم اختيار كلمة الجديد بدلا من الحداثة لما للأخيرة من وقع ربما يستنهض المقاومة والرفض؟

- لم يكن اختيار الجديد وصفا للمجلة في نسختها السابقة تجنبا للمواجهة مع تيار الصحوة. كان تكتلنا، كُتابا وهيئة تحرير في المجلة، إعلانا صريحا لا تخفيه مواربة، وكنا نشعر أن كل ما يمكن أن يقولوه قد قالوه، كان اختيار "النص الجديد" يعود الى ما في الجِدة من قيمة أشار إليها الدكتور البازعي في تقديمه للعدد الأول من النسخة الجديدة للمجلة، وكان تجنب كلمة الحداثة يعود إلى التباسات تحيط بوصف الحركة آنذاك بالحداثة، وهي التباسات تتصل بالتيارين اللذين كانا ينتظمان الساحة الأدبية آنذاك، وتباين موقفهما من الفن ودوره والنقد ومهمته مما لا مجال للخوض فيه الآن.

هناك حراك ثقافي شامل لمختلف جوانب الحياة، ولا يتوقف عند الأدب فحسب

  • إذا نظرنا إلى الواقع الثقافي السعودي الحالي، هناك تبنّ ودعم للمشاريع الثقافية في أكثر من اتجاه؛ إصدار المجلات والصحف، الترجمة، مشاركة المرأة وهي عنصر ومظهر للنمو الثقافي في آن واحد، هل يمكن القول إن المشهد اكتمل على هذه الصورة، وما هي التحديات التي يجب وضعها في الحسبان للاستمرار في النهوض؟

هناك حراك ثقافي شامل لمختلف جوانب الحياة، ولا يتوقف عند الأدب فحسب، فكل ما يمكن أن يرتقي بجودة الحياة أصبح حقلا من حقول الثقافة وواحدا من اهتمامات وزارة الثقافة وهيئاتها وجمعياتها.

الارتقاء بجودة الحياة يتضمن إشاعة ضرب من الثقافة السائلة التي تعنى برفع مستوى الوعي في المجتمع بفئاته كافة وفي مختلف جوانب الحياة فيه، والخشية أن تفضي هذه الثقافة إلى أن يصبح الدور التربوي هو المقيد لها بحيث تفتقر إلى العمق الذي يضع الثقافة على عتبات أخرى من التطوير والاختلاف والخروج عن السائد والمألوف.

دور النخبة

  • من خلال عملك المتراكم شهدتَ على أكثر من مرحلة ثقافية إن جاز لنا التقسيم، هل تشعر أنَ هناك اختلافا في مفهوم الثقافة والمشتغلين بها ودورهم، وهل تراه انعكاسا طبيعيا لمراحل تاريخية مختلفة أم أنه في حاجة إلى تصحيح؟

- تضمّنت إجابة السؤال السالف بعضا من إجابة عن هذا السؤال، وإذا كان ثمة إضافة فهي تأكيد أهمية دور النخبة في صناعة الثقافة وتطويرها، وهو دور نهضت به الثقافة عبر التاريخ. التاريخ الذي كان يتميز بمسارين للثقافة، ثقافة النخبة وثقافة العامة، وهو تقسيم لا يعني التمييز في القيمة، فكلتا الثقافتين لهما دورهما ومهامهما، وما يغلب على التوجه يتمثل في إشاعة الثقافة، ونقل ثقافة النخبة لتصبح مشاعة ومتاحة لفئات المجتمع كافة، والخشية مثلما أسلفت أن يفضي ذلك إلى غياب معيار القيمة ويكون عمق الثقافة هو الضحية لهذا الاتجاه.

Grace Russell
  • كتابك "حجاب العادة: أركيولوجيا الكرم من الخطاب إلى التجربة"، أثار عند صدوره للمرة الأولى في 1996، حفيظة كُثر إذ اعتبروه تقويضا لعادة الكرم التي ارتبطت بشخص الإنسان العربي في الصحراء، كيف يمكن تفكيك علاقة مجمل القيم التي لم تكن هامشية بل يمكن وسم الإنسان العربي بالشخصية القيمية، مع متطلبات العصر الجديد والإنتاج الثقافي المُنتَظَر منه؟

- من شأن كل تجربة أن تتحول إلى خطاب عند تلبسها باللغة الناقلة لها. لا تصبح خالصة كما هي كتجربة فرضتها جملة من الظروف والمناسبات وإنما تصبح مناسبة لتكريس قيمة من القيم أو معنى من المعاني، تصبح خطابا يتشكل على مستوى اللغة ويعيد تشكيل وعينا بالتجربة نفسها فلا نراها في حد ذاتها وإنما نراها من خلال جملة من القيم المكرسة اجتماعيا، وعلى الرغم من دقة الخطاب في إحكام نسيجه لنتاج معنى التجربة وقيمتها، إلا أن الرهان يظل قائما على اكتشاف فجوات أو ثغر في نسيج الخطاب، تمزقات يمكن الوقوف عليها في تركيب من تراكيب اللغة أو صورة من صور الشعر واستعاراته، من خلال هذه الفجوات التي تشبه الأخطاء الفرويدية يمكن لنا أن نستكشف التجربة، وأن نستعيدها، وأن نصل إلى المخبوء وراء الخطاب، أي ما يحاول الخطاب قمعه، وهذا ما حاولته في قراءة الكرم عند العرب.

أسئلة فلسفية

  • في كتابك "الحياة خارج الأقواس"، وهو سيرة ذاتية لك، وأيضا التأريخ الاجتماعي والمكاني في روايتك "الرويس"، وأنت من مواليد حي الرويس في جدة، انشغلت بسؤال الهوية والانتماء، وأقتبس من نصك "انتهينا إلى أن نكون بدوا في عيون الحضر، وحضرا في عيون البدو، ولم نكن نعرف من نحن، ثم لا ننتمي إلى أي من ذلك"، إلى أي مدى يختلط الذاتي مع العام لديك؟

- الأسئلة الفلسفية التي نصل إلى إجابات عنها أسئلة زائفة، أو أننا سلكنا طريقا زائفا للعثور على إجابات عنها. الأسئلة الفلسفية طريق لمتاهة لا تنتهي، الفلسفة إنقاذ للحياة من التبسيط، إنقاذ لكل شيء من الموت وضوحا، كل ما نتمكن من فهمه يموت، نحن نقتل الأشياء حين نفهمها، الفلسفة دورها أن تبحث في الواضح عما هو غامض فيه، وفي الغامض عما يجعله أكثر غموضا. بهذه الرؤية حاولت مقاربة هويتي وانتمائي وسيرتي والحي الذي ولدت فيه، وهي الرؤية التي تقود كل ما أحاول أن أكتبه، ولربما لهذا يشتكي بعض من يقرأني من غموض ما أكتبه.

أتمنى أن أنجز دراسة تتعلق بجماليات الكذب، وتتعرض للسرديات التي كانت متداولة خلال هيمنة تيار الصحوة

  • لطالما وُصفتَ بالإشكالي منذ اختيارك رسالة الماجستير للبحث في "الأبيات المشكلة في شعر أبي تمام"، الذي يُعَد أصلا شاعرا متمردا على الشعر العمودي، انشغلت بالعقل في الثقافة العربية وبتفكيك خطاب الصحوة وغيرهما من القضايا، مع هذه الصورة وضمن هذا المشهد الثقافي ما الإشكاليات التي تشغلك حاليا ومستقبلا؟

- ثمة كثير من الإشكاليات التي تطرح نفسها للبحث، بعضها مستجد وبعضها الآخر مما تطرقت إليه من قبل ولكنه في حاجة إلى مزيد من البحث والدراسة والاستقصاء، ومع صعوبة المراهنة عما إذا كان ثمة وقت مقبل كما جاء في آخر السؤال إلا أني أتمنى أن أنجز دراسة تتعلق بجماليات الكذب، وتتعرض للسرديات التي كانت متداولة خلال هيمنة تيار الصحوة، وكذلك استكمال دراسة قديمة لي حول سلطة المصطلح كنت قد قدمتها كورقة شبه موجزة لمؤتمر النقد في القاهرة قبل بضع سنوات، وهناك قضايا واشكالات أخرى أسأل الله العون في استكمال النظر فيها.

font change

مقالات ذات صلة