- إذا نظرنا إلى الواقع الثقافي السعودي الحالي، هناك تبنّ ودعم للمشاريع الثقافية في أكثر من اتجاه؛ إصدار المجلات والصحف، الترجمة، مشاركة المرأة وهي عنصر ومظهر للنمو الثقافي في آن واحد، هل يمكن القول إن المشهد اكتمل على هذه الصورة، وما هي التحديات التي يجب وضعها في الحسبان للاستمرار في النهوض؟
هناك حراك ثقافي شامل لمختلف جوانب الحياة، ولا يتوقف عند الأدب فحسب، فكل ما يمكن أن يرتقي بجودة الحياة أصبح حقلا من حقول الثقافة وواحدا من اهتمامات وزارة الثقافة وهيئاتها وجمعياتها.
الارتقاء بجودة الحياة يتضمن إشاعة ضرب من الثقافة السائلة التي تعنى برفع مستوى الوعي في المجتمع بفئاته كافة وفي مختلف جوانب الحياة فيه، والخشية أن تفضي هذه الثقافة إلى أن يصبح الدور التربوي هو المقيد لها بحيث تفتقر إلى العمق الذي يضع الثقافة على عتبات أخرى من التطوير والاختلاف والخروج عن السائد والمألوف.
دور النخبة
- من خلال عملك المتراكم شهدتَ على أكثر من مرحلة ثقافية إن جاز لنا التقسيم، هل تشعر أنَ هناك اختلافا في مفهوم الثقافة والمشتغلين بها ودورهم، وهل تراه انعكاسا طبيعيا لمراحل تاريخية مختلفة أم أنه في حاجة إلى تصحيح؟
- تضمّنت إجابة السؤال السالف بعضا من إجابة عن هذا السؤال، وإذا كان ثمة إضافة فهي تأكيد أهمية دور النخبة في صناعة الثقافة وتطويرها، وهو دور نهضت به الثقافة عبر التاريخ. التاريخ الذي كان يتميز بمسارين للثقافة، ثقافة النخبة وثقافة العامة، وهو تقسيم لا يعني التمييز في القيمة، فكلتا الثقافتين لهما دورهما ومهامهما، وما يغلب على التوجه يتمثل في إشاعة الثقافة، ونقل ثقافة النخبة لتصبح مشاعة ومتاحة لفئات المجتمع كافة، والخشية مثلما أسلفت أن يفضي ذلك إلى غياب معيار القيمة ويكون عمق الثقافة هو الضحية لهذا الاتجاه.
- كتابك "حجاب العادة: أركيولوجيا الكرم من الخطاب إلى التجربة"، أثار عند صدوره للمرة الأولى في 1996، حفيظة كُثر إذ اعتبروه تقويضا لعادة الكرم التي ارتبطت بشخص الإنسان العربي في الصحراء، كيف يمكن تفكيك علاقة مجمل القيم التي لم تكن هامشية بل يمكن وسم الإنسان العربي بالشخصية القيمية، مع متطلبات العصر الجديد والإنتاج الثقافي المُنتَظَر منه؟
- من شأن كل تجربة أن تتحول إلى خطاب عند تلبسها باللغة الناقلة لها. لا تصبح خالصة كما هي كتجربة فرضتها جملة من الظروف والمناسبات وإنما تصبح مناسبة لتكريس قيمة من القيم أو معنى من المعاني، تصبح خطابا يتشكل على مستوى اللغة ويعيد تشكيل وعينا بالتجربة نفسها فلا نراها في حد ذاتها وإنما نراها من خلال جملة من القيم المكرسة اجتماعيا، وعلى الرغم من دقة الخطاب في إحكام نسيجه لنتاج معنى التجربة وقيمتها، إلا أن الرهان يظل قائما على اكتشاف فجوات أو ثغر في نسيج الخطاب، تمزقات يمكن الوقوف عليها في تركيب من تراكيب اللغة أو صورة من صور الشعر واستعاراته، من خلال هذه الفجوات التي تشبه الأخطاء الفرويدية يمكن لنا أن نستكشف التجربة، وأن نستعيدها، وأن نصل إلى المخبوء وراء الخطاب، أي ما يحاول الخطاب قمعه، وهذا ما حاولته في قراءة الكرم عند العرب.
أسئلة فلسفية
- في كتابك "الحياة خارج الأقواس"، وهو سيرة ذاتية لك، وأيضا التأريخ الاجتماعي والمكاني في روايتك "الرويس"، وأنت من مواليد حي الرويس في جدة، انشغلت بسؤال الهوية والانتماء، وأقتبس من نصك "انتهينا إلى أن نكون بدوا في عيون الحضر، وحضرا في عيون البدو، ولم نكن نعرف من نحن، ثم لا ننتمي إلى أي من ذلك"، إلى أي مدى يختلط الذاتي مع العام لديك؟
- الأسئلة الفلسفية التي نصل إلى إجابات عنها أسئلة زائفة، أو أننا سلكنا طريقا زائفا للعثور على إجابات عنها. الأسئلة الفلسفية طريق لمتاهة لا تنتهي، الفلسفة إنقاذ للحياة من التبسيط، إنقاذ لكل شيء من الموت وضوحا، كل ما نتمكن من فهمه يموت، نحن نقتل الأشياء حين نفهمها، الفلسفة دورها أن تبحث في الواضح عما هو غامض فيه، وفي الغامض عما يجعله أكثر غموضا. بهذه الرؤية حاولت مقاربة هويتي وانتمائي وسيرتي والحي الذي ولدت فيه، وهي الرؤية التي تقود كل ما أحاول أن أكتبه، ولربما لهذا يشتكي بعض من يقرأني من غموض ما أكتبه.