حتي لا يصبح الإرهاب نهاية الطريق

حتي لا يصبح الإرهاب نهاية الطريق


تقول منظمة العمل العربية إن العالم العربي بحاجة إلى توفير مائة مليون فرصة عمل بحلول العام 2020. وإن عدد الشباب العربي ممن يحتاجون إلى فرص عمل سنويًا، يقدر بنحو 30 مليونًا و400 ألف شاب.


نظرة سريعة إلى الواقع العربي الراهن تشير، طبعًا، إلى أنه من الصعب جدًا إن لم يكن مستحيلًا توفير مثل هذا العدد الهائل من فرص العمل الكريمة للشباب. ما يعني أن عدد العاطلين عن العمل سيزداد، الأمر الذي سيكون مكلفًا  اقتصاديًا واجتماعيًا، وسياسيًا على الأرجح بشكل أكبر من قدرة الدول العربية علي تحمله. لكن الشباب في منطقة الخليج سيكونون على الأرجح أكثر حظًا. ، رغم الأزمة الاقتصادية العالمية. وليس من المتوقع أن تتراجع أسعار النفط خلال العشر سنوات المقبلة بشكل يهدد الميزانيات الحكومية. ربما يحصل ذلك إذا صارت طواحين الهواء هي المصدر الرئيسي للطاقة، كما تروج شركات دنماركية، كارهة للنفط العربي ..


على أية حال، بينما يبقى الشاب المصري، مثلًا، ساهرًا ليله يفكر فيما بعد التخرج في كلية الزراعة، وتؤرق السوري معضلة البحث عن عمل خلال السنوات القليلة المقبلة، ينام الشاب الخليجي ملء عينيه. لا تؤرقه سوى الرسائل القصيرة خفيفة الظل في غرف المحادثة على الإنترنت. أو حتى تلك التي يرسلها إلى محطات الأغاني محييًا فريقه المفضل أو صديقًا لا يبعد عن منزله سوي بضعة أمتار.


فالشاب الخليجي، واللـه أعلم طبعا، يدرك أن على الدولة توفير عمل له. حتى لو كان ذلك العمل على شاكلة البطالة المقنعة التي تنتشر في دول الخليج اليوم. حيث يؤدي ثلاثة شباب كلهم من خريجي صالات الرياضة ورفع الأثقال عمل موظف واحد على كاونتر الجوازات في منفذ حدودي أو ختم الفواتير المسددة في دائرة كهرباء.ليس ذلك خطأ بالضرورة. فمن حق الشاب أن يسعى وراء عمل غير متعب. ومن حقه أن يحلم براتب مجزٍ من عمل لا يكلفه يوميًا سوى بضع ساعات من الجهد غير المضني في واقع الحال. وإضافة إلى ذلك، يتمتع بإجازات دورية وعطل رسمية وأعياد دينية يصل مجموع أيامها أكثر من ستة أشهر في العام.


ربما يقول البعض إن هذا تجنٍ واضح (وسافر طبعًا) على الشباب الخليجي. وهو كذلك  فعلًا. فمن شبابنا من هم قادة حقيقيون لمجتمعاتهم . ومبدعون في تخصصاتهم. ويفتخر بهم العرب. لكن هؤلاء لن تجدهم تحت جناح دولة الرعاية والرفاه. بل هم شباب اعتمدوا على أنفسهم. وتعبوا على حالهم يدفعون من حر مالهم (وربما حر مال الأهل) للتخرج في جامعات مرموقة في الخارج. ومن ثم يتجهون إلى القطاع الخاص الذي يبقى المجال الأرحب للإبداع والتطوير في منطقة الخليج.


لكن شريحة الشباب التي يستولي عليها القطاع الحكومي تبقى هي الفئة المظلومة ربما البعض منها ظلم نفسه، فكم من الشباب نعرف ممن ترك الدراسة لينخرط في الجيش أو الشرطة. كان ذلك مخرجًا سهلًا لمن لا يريد إكمال تعليمه. طبعًا الجيش والشرطة عمل وطني بامتياز. وقطاع لا يمكن التقليل من قدر أولئك الذين اختاروه قدرًا. ولكن البعض وربما الكثير يستسهل تلك الوظيفة. ربما يحتاج بعض الوساطة هنا، لكنه بالتأكيد لا يحتاج إلى المؤهلات العالية التي يتطلبها العمل في قطاع النفط مثلًا أو الاتصالات.


عود على بدء إذن. الدولة تبقى أبدًا هي المشكلة هنا. وذلك ليس تجنيًا. بل دعوة تكررت كثيرًا، في الواقع أكثر من اللازم، من قبل الصحافة والأكاديميين والخبراء الدوليين. على الدولة الخليجية أن تساوي بين القطاعين. لا يمكن للشاب الخليجي أن يفكر جديًا في القطاع الخاص ما دام الوضع الحالي يؤكد أن موظف القطاع الحكومي هو "ابن الست" فيما عامل القطاع الخاص هو "ابن الجارية".


سيظل الشاب الخليجي لاهثًا وراء "الوظيفة الميري" عازفًا عن القطاع الخاص الذي لا شك هو المجال الأرحب للإبداع والإنجاز. إن الفرق الشاسع بين القطاعين في الرواتب والمميزات والعطل يعني أن الدولة تخلت عن شبابها المبدع. عن الشباب الذي يتوق لعمل شيء مختلف. شيء تفتخر به بلاده. لكن "دولة الرفاه" التي اعتنت بكل شيء في الخليج لا تزال تفشل رغم كل التحذيرات في العناية بشبابها المجتهد. حتى في الرياضة، صار الطريق الأسهل تجنيس اللاعبين الأجانب عوضًا عن تدريب وتأهيل اللاعب المواطن.


هذا ربما ما يحلم به شبابنا الجاد اليوم. قطاع خاص يحترم جهودهم. دولة تحتضن إبداعهم ومغامراتهم. وإلا سيبقى القطاع الوحيد الذي يجذبهم ذلك الذي يروج له أيمن الظواهري.




                                       



 نائب مدير التحرير "غلف نيوز" - دبي

font change