لقد أصبحت إيران عند مفترق طرق، بعد أحداث هذا الأسبوع الساخن، فإما أن تقتنع وتُقنع جماهيرها بأنها قد ردت على إسرائيل، وبهذا تكون قد أبقت قبضتها على المناطق التي تهيمن عليها بأقل الخسائر، وإما أن ينجح الإعلام المضاد لها في إحراجها وإظهار انتقامها على أنه من قبيل الضحك على الذقون. فأي حرب هذه التي لم يمت فيها أحد ونحن نعلم أن مباريات كرة القدم قد تنتهي بموت أفراد. من الضروري أن يُكثف الإعلام العربي سخريته من المسيرات التي لا تحمل أية مواد متفجرة، وتعلق في أسلاك الكهرباء كالطيور الميتة.
باليد الأخرى، لم يكن من الممكن أن لا ترد إيران بعد مقتل محمد رضا زاهدي في دمشق، ليس لأن زاهدي أكثر أهمية من قاسم سليماني، وإنما بسبب التراكمات المغضِبة التي كثُرت وأصبحت مُهينة للغاية، فإسرائيل نفذت خلال السنوات القليلة الماضية عددا من العمليات العسكرية والاستخباراتية ضد إيران وحلفائها في المنطقة، وكان لا بد من ضربة تحفظ ماء الوجه، ولم يعد من المقبول الاكتفاء بعبارة "نحتفظ بحق الرد" مفتوحة هكذا.
لكن هل لمثل هذه الضربة– وإن لم ترد إسرائيل– أن تحفظ ماء وجه إيران أمام خصومها العرب؟ الجواب هو لا، بل إن الدول العربية مسلوبة القرار قد بدأت في الغليان والتململ وارتفعت أصوات المطالبة بالحرية مهما كانت التكاليف، إلى درجة المطالبة بحرب أهلية في لبنان. إلى هذه الدرجة فاض الصبر.
لم يكن من الممكن أن لا ترد إيران بعد مقتل محمد رضا زاهدي في دمشق، ليس لأن زاهدي أكثر أهمية من قاسم سليماني، وإنما بسبب التراكمات المغضِبة التي كثُرت وأصبحت مُهينة للغاية
لكل ما سبق كان لا بد لإيران أن ترد، لكنه رد حظي بكثير من السخرية، لضعفه وهزليته وكيف أن أهدافه قد تكشفت عن رغبة في الإخافة فقط، كما صرح الإيرانيون بعد الهجوم. هذا الموقف، وإن بدا لنا مضحكا لكنه هو بالضبط ما يريده حكام إيران، يريدون أن لا تتزعزع قبضتهم عن مقدرات الدول التي هيمنوا عليها، ولا يريدون أن يخسروا قيمتهم كقوة إقليمية كبيرة تنافس على الصدارة في الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه هي لا تريد حربا مع إسرائيل، فهي تعرف أن إسرائيل قادرة على تدميرها وإسقاط نظامها لو أرادت. ولهذا أخبروا الإسرائيليين عن موعد وصول مسيراتهم وصواريخهم لكيلا يصاب أحد، راجين أن تقدر إسرائيل ظرفهم.
هذه الألاعيب الإيرانية التي قد نراها مضحكة، هي ما كان يدور في المكاتب المغلقة أو عبر أجهزة الاتصال خلال العقود الماضية، حتى كشف دونالد ترمب جانبا مما كان يحدث، عندما وصف للعالم كيف خاطبته إيران وعبرت عن ضرورة الاتفاق على عملية انتقام تمثيلية لمقتل سليماني تكون عبر إلقاء بعض الصواريخ والمسيرات على منطقة ليس فيها أميركي واحد.
ومع ذلك فهناك من أخذ حادثة السبت الماضي بجدية أكبر، فالهجوم الإيراني على مواقع إسرائيلية مساء ذلك اليوم كان عبارة عن بداية النهاية لحرب الظل بين الدولتين، بحسب تعبير صحيفة "نيويورك تايمز".
هناك من أخذ حادثة السبت الماضي بجدية، فالهجوم الإيراني على مواقع إسرائيلية كان عبارة عن بداية النهاية لحرب الظل بين الدولتين
ومن جهته، صعّد مجلس الحرب الإسرائيلي، بأن كاد يجمع على ضرورة الرد. من الواضح تماما أن إسرائيل تريد الحرب مع إيران هذه المرة ولم يردعها حتى اللحظة إلا تحذير الأميركيين بأن الحرب الشاملة بين إيران وإسرائيل قد تتمدد في المنطقة وتلحق إضرارا كبيرة بكل المنطقة. لهذا قد يبحثون عن حرب من دون أضرار. يمكن أن يكون الرد الإسرائيلي إلكترونيا، بمعنى أن تقوم بأعمال إعاقة إلكترونية وبأعمال تدمير النظم والمعدات الإلكترونية كالرادارات وخطوط الاتصال، ومثل هذه الحرب، لو شُنت على إيران لأعادتها إلى القرن التاسع عشر.