إذا أُخذ الهجوم الإيراني على إسرائيل بنحو 300 طائرة مسيرة وصاروخ ليل السبت– الأحد بذاته، معزولا عن إطاره الاستراتيجي في لحظة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فإن القول بانتصار إسرائيل وهزيمة إيران لا تعوزه الدلائل والحجج. لكن إذا ما وضع الهجوم الإيراني ذاك في نطاقه الاستراتيجي الأوسع، فإن حسابات الانتصار والهزيمة تلك تتبدل، ويصبح السؤال: هل حققت إسرائيل انتصارا مطلقا على إيران؟ وهل هزمت إيران هزيمة كاملة؟
الأكيد أن نجاح إسرائيل ليل السبت- الأحد في إحباط الهجوم الإيراني بمؤازرة "ائتلاف دولي– إقليمي" منحها "صورة نصر" لم تتمكن حتى الآن من تحقيقها بقطاع غزة في حربها ضد حركة "حماس". لكنّ الإسرائيليين أنفسهم يتجاذبهم سؤال عما إذا كان عليهم قياس نجاحهم أو انتصارهم بالنظر إلى نتائج الهجوم الإيراني الميدانية أو نواياه لناحية تصميم طهران على إلحاق الضرر بإسرائيل على الأمد البعيد.
في الواقع، إن "الغزوة الإيرانية" لم تخرج في إطارها العام عن المتوقع، خصوصا أن "وابل" التسريبات والاتصالات التي سبقتها أماتت عنصر المفاجأة فيها أو قلصته إلى حدود دنيا، لأن إسرائيل، ورغم علمها بـ"محدودية" الهجوم الإيراني لم تكن متيقنة تماما من أنها ستحبطه بنسبة "99 في المئة" كما أعلنت بعده. أي إن احتمال أن تقع أضرار في إسرائيل جراء الصواريخ الإيرانية كان احتمالا واردا، وبالتالي فإن الهجوم الصاروخي الإيراني اختبر المنظومة الدفاعية الإسرائيلية ولم يكن نجاحها على النحو الذي حصل أمرا مفروغا منه.
لذلك فإن الهجوم الإيراني إياه وإن يكن يحمل في طياته تعقيدات وحسابات مركبة، خصوصا إذا ما وضع في نطاقه الاستراتيجي الكلي، فإنه يمكن القول بالنظر إلى ممهداته ونتائجه إنه كان حدثا "جانبيا" قياسا إلى الحدث الأساسي في المنطقة راهنا، وهو الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ومراوحاتها الميدانية وضبابية مخارجها و"اليوم التالي" لها. مع العلم أنه لا يمكن التقليل أبدا من وقع هذا الهجوم على إسرائيل لناحية تعرضها للمرة الأولى منذ 1973 لهجوم من دولة إقليمية، بالتالي فإن مجرد شن إيران هجومها ضد إسرائيل هو بحد ذاته حدث "استثنائي" بغض النظر عن نتائجه.
حدث مفتوح
ولذلك فإن دوائر القرار في تل أبيب لا يمكنها اعتبار الهجوم "منتهيا" كما قالت بعثة طهران لدى الأمم المتحدة في نيويورك عقب انتهائه، بل هو حدث مفتوح إلى حين تأكد إسرائيل، ومعها حلفاؤها الغربيون، من عدم تكراره. ولذلك فإن هذا الهجوم فتح على ديناميات جديدة في الصراع الإسرائيلي الإيراني، وهو صراع لم يعد- بعد ليل 13-14 أبريل/نيسان- يعني إسرائيل وحدها بل يعني حلفاءها الدوليين ودول المنطقة أيضا.