بالنسبة إليّ، علاقتي بالكلمة وبالتعبير الكتابي عن مشاعري ومخاوفي وهمومي بدأت في طفولتي منذ أن تمكنت من اللغة. فالكتابة كانت طريقتي في علاجي للمشاكل النفسية التي كنت أمر بها. أما بالنسبة إلى خوضي حقل أدب الأطفال، فقد حصل ذلك بشكل تلقائي، من غير أن أضرب أخماسا بأسداس أو أن أخطّط الطريق التي سوف أخوضها. ما حثني على خوض هذا المجال، هو ملاحظتي الشحّ في كتب الأطفال الحديثة والجيدة في أسواق الكتب في بلادنا. لم أكن أعلم أن دراساتي الجامعية (ليسانس في التربية المبكرة، وماجستير في نظريات تربوية وتطبيقاتها مع التركيز على دور الكتاب في تربية الأطفال، وماجستير في الأدب العربي الحديث)، كانت تحضرني، من غير أن أدرك ذلك في حينه، إلى أن أصبّ كل ما اكتسبته من علم وخبرة، في كتب سوف أؤلفها للأطفال. كتبت أولى قصصي في وقت كانت دور النشر قد بدأت تعي النقص في نشر كتب حديثة ذات جودة في النص والروسم والإخراج، وسرعان ما غصت في هذا المجال، فعملت مع عدد من دور النشر المتخصصة في أدب الأطفال.
- ملعب كتابة قصص الأطفال هو الخيال، نؤنسن كل الأشياء، هل يمكن وضع خيال الكاتب أمام خيال الطفل؟
خيال الأطفال يفوق خيالنا ككبار بأشواط، لكن للأسف، في كثير من الأحيان يقمَعون من قبل مقدّمي الرعاية، الأهل أو المعلمين، الذين يصنفون أفكارهم بالصح أو الخطأ. فرسم فيل أحمر مثلا، قد يعتبره الكبير خطأ و"يعلم" الطفل على غير ما هو صائب، وهو أن الفيل رمادي وليس أحمر. هذا مثال بسيط، لكنه يعبر عن الكثير. كتاب الأطفال الجيد، يحفز خيالهم وبالتالي طرق إبداعهم ووعيهم لفكرة أن كل شيء مسموح. ممكن للقطة أن تتكلم وللفيل أن يكون برتقاليا وللشمس أن تحزن وللضفدع أن يتحول إلى أمير. أما بالنسبة إلى أنسنة الأشياء والحيوانات، فهي طريقة لمعالجة مواضيع قد تكون قاسية نوعا ما لو كانت الشخصية الرئيسية صبيا أو بنتا في عمر القارئ. على سبيل المثال، إن أردنا أن نعالج موضوع الفقد أو الموت، واستخدمنا عائلة أرانب كشخصيات القصة بدل شخصيات بشرية، يصبح الموضوع أقل وطأة على الطفل، على الصعيد العاطفي. لذا، أنسنة ما هو غير بشري له وظيفته، لكن لا يمنع الأمر أن يكون الهدف من هكذا قصص المتعة والخيال بحد ذاتهما.
- هل تستشيرين مختصين بتربية الأطفال أو أطباء نفسيين في كتابة قصصك؟
هذا أمر مهم للغاية، في حال كان الموضوع الذي أكتب عنه معقدا على الصعيد السيكولوجي والاجتماعي والعاطفي، فإن استشارة المعالجة النفسية تكون جزءا من بحثي قبل الخوض في الكتابة. فإضافة إلى هذه الاستشارات، أستعين كثيرا بالدراسات حول الموضوع الذي أتناوله. بالنسبة إلى كتب الصغار، بحثي هو في قراءاتي عن تطور الأطفال نفسيا وعاطفيا، وفي مراقبة الأطفال في أفعالهم وردود أفعالهم واللغة التي يستخدمونها. وعند الكتابة للناشئة، أعتمد على عدة سبل في بحثي، ابتداء بمقابلة معالجة نفسية. فلإتمام كتاب "كابوتشينو"، الذي يتناول موضوع العنف الأسري، استشرت معالجة نفسية أولا، ثم قابلت امرأتين خاضتا تجربة التعنيف من قبل الزوج لأفهم الظروف والحوافز، كما قابلت محاميا يعمل مع النساء المعنفات لأفهم الناحية الحقوقية. ولكتابة رواية "إجاصة ميلا"، ساعدتني معالجة نفسية تعمل مع الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات غذائية، على فهم الموضوع من جميع نواحيه، وطلبت منها قراءة روايتي أكثر من مرة لكي أتأكد من أني عالجت موضوع "الأنوريكسيا" بشكل صحيح.
- هل تأخذين رأي الأطفال في أفكار قصصك؟ هل يشاركون في الكتابة أحيانا بطريقة ما؟
بصراحة، لا آخذ رأي الأطفال في المواضيع التي أقرر الكتابة عنها. فخياراتي تعتمد على خبرتي ومعرفتي للبيئة التي ستتلقى كتبي. أستقطب أفكاري مما أراقبه من حولي، لكن أيضا من ذكرياتي كطفلة، ومن تجربتي في تربية ابنتي وابني. فالعديد من القصص التي أكتبها مستوحاة من تجارب خاصة. حين تسمح الفرصة، أقرأ نصا لصغار وأراقب اهتمامهم أو عدمه، كما أحاول مناقشة المحتوى معهم لأقدر مدى نجاحي (أو فشلي) في إيصال فكرتي لهم.
الرسوم
- كم تساهم الرسوم في خدمة النص، ولا سيما بأنا رأينا كتبا جديدة تسمى صامتة، رسوم بلا نص...
دور الرسوم في قصص الصغار هو توضيح المحتوى، من هنا تسميتها بالرسوم التوضيحية. في رأيي، تتضح فكرة الكتاب حين يأخذ الرسام النص إلى بعد آخر، أي أن يضيف مخيلته على مخيلة الكاتب، بدل أن ينقل النص حرفيا في الرسوم. الرسام المحترف يضيف تفاصيل غير واردة في النص لكنها مستوحاة منه. لذا، من الضروري أن يتقابل الكاتب والرسام لمناقشة القصة قبل الشروع في رسمها. هناك استثناء طبعا. ففي كتب الفئات العمرية من الولادة إلى عمر السنتين، يبحث الطفل عن المعنى الحرفي في الرسوم. فإن ذكر النص أن هناك ثلاث بطات في النهر، يجب أن تعرض الرسمة ثلاث بطات في النهر.
أما بالنسبة إلى الكتب الصامتة، فهذه قصص لكن من دون كلمات. هناك مبتكِر الفكرة، وهناك الرسام الذي يوضِح الفكرة في رسومه. في غالب الأحيان، يكون الرسام هو نفسه مبتكِر فكرة القصة أساسا. الرسوم تحكي القصة، لكن لكل قارئ نظرته المختلفة للرسوم ولتسلسل الأحداث.