اعتبارا من منتصف شهر إبريل/نيسان وحتى أوائل يونيو/حزيران، سوف تعقد أكبر انتخابات في العالم على مدار عدة أسابيع. يحق لأكثر من 960 مليون هندي - من أصل عدد السكان الإجمالي البالغ 1.4 مليار نسمة - التصويت في الانتخابات البرلمانية التي تقترح استطلاعات الرأي بقوة أنها ستعيد رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه "بهاراتيا جاناتا" إلى السلطة لولاية ثالثة على التوالي.
ربما يعتبر مودي الزعيم الأكثر شعبية في العالم. ووفقا لاستطلاع أجرته مؤسسة"مورننغ كونسالت" Morning Consult مؤخرا، فإنه يحظى بموافقة 78 في المئة من الهنود على قيادته. (حصل الزعماء الثلاثة الأعلى مرتبة، من المكسيك والأرجنتين وسويسرا، على معدلات موافقة بلغت 63، و 62، و 56 في المئة ، على التوالي). ليس من الصعب أن نرى السبب الذي يجعل مودي يحظى بالاحترام. فهو زعيم يتمتع بشخصية كاريزمية، وخطيب بارع باللغة الهندية، ويُنظر إليه على أنه إنسان مجتهد وملتزم بنجاح البلاد بشكل كبير. كما يُعتبر أنه من غير المحتمل أن يلجأ هذا الشخص إلى المحسوبيات أو الفساد، وهو ما يُعزى في كثير من الأحيان إلى حقيقة أنه رجل يبلغ من العمر 73 عاما وليس له شريك أو أطفال. لدى مودي عدد قليل من المنافسين الحقيقيين. فسلطته داخل حزبه مطلقة، وخصومه منقسمون وضعفاء وينحدرون من سلالات حاكمة، وهي صفة تعادل الكسب غير المشروع عادة. عمل مودي على توسيع حضور الهند على المسرح العالمي، ومعه توسيع شعبيته، سواء من خلال زيادة فرصه في استضافة مجموعة العشرين أو من خلال زياراته رفيعة المستوى إلى الخارج. كما أصبحت نيودلهي أكثر حزما في سياستها الخارجية، حيث أصبحت تعطي الأولوية للمصلحة الذاتية وتقدمها على الإيديولوجية والأخلاق - وهو خيار آخر لا يخلو من جاذبية محلية كبيرة.
قد يربك نجاح مودي منتقديه. فهو في النهاية يتمتع بميول استبدادية متزايدة: نادرا ما يحضر مودي المؤتمرات الصحافية، كما توقف عن إجراء المقابلات مع العدد القليل المتبقي من الصحافيين الذين قد يطرحون عليه أسئلة صعبة، وتجنب أيضا المناقشات البرلمانية إلى حد كبير. كما عمل على تحويل السلطة كي تصبح مركزية أكثر فأكثر وكرس التقديس الشخصي، في الوقت الذي أضعف فيه النظام الفيدرالي في الهند. وفي ظل قيادته، أصبحت الأغلبية الهندوسية في البلاد هي المهيمنة. وهذا البروز لدين واحد يمكن أن يكون له تأثيرات بشعة، فهو يضر الأقليات الأخرى ويثير التساؤلات حول التزام البلاد بالعلمانية. كما وقد تآكلت الركائز الأساسية للديمقراطية، مثل حرية الصحافة واستقلال السلطة القضائية.
ورغم كل ذلك، مودي يحقق الفوز _ بشكل ديمقراطي. زعم عالم السياسة سونيل خيلناني في كتابه الصادر عام 1997 تحت عنوان "مفهوم الهند"، أن الديمقراطية، وليس الثقافة أو الدين، هي التي شكلت الدولة التي كانت تبلغ من العمر خمسين عاما في ذاك الوقت. وقد تمثل التجسيد الأساسي لهذه الفكرة، وفقا لخيلناني، بأول رئيس وزراء للهند، وهو جواهر لال نهرو، الذي تلقى تعليمه في جامعة كامبريدج، وحصل على لقب "جو" عندما دخل العشرينات من عمره. كان نهرو يؤمن برؤية تتبلور في دولة ليبرالية علمانية على عكس باكستان، التي تشكلت بشكل صريح كوطن للمسلمين. ويعد مودي نقيضا لنهرو في كثير من النواحي. ولد رئيس الوزراء الحالي في عائلة تنتمي لأدنى الطبقات الدينية وتنتمي للطبقة الاجتماعية المتوسطة الدنيا، وجاء التعليم التكويني لرئيس الوزراء الحالي من خلال سنوات من السفر في جميع أنحاء البلاد كمنظم للمجتمع الهندوسي، والنوم في منازل الناس العاديين وبناء فهم لإحباطاتهم وتطلعاتهم الجماعية. يختلف مفهوم مودي عن الهند بشكل جوهري عن مفهوم نهرو، رغم أنه مبني على الديمقراطية الانتخابية والرفاهية. فهو يضع الثقافة والدين في مركز شؤون الدولة؛ حيث يحدد الهوية الوطنية من خلال الهندوسية؛ ويعتقد أن وجود رئيس تنفيذي قوي أفضل من رئيس تنفيذي ليبرالي، حتى لو كان ذلك يعني تقليص الحقوق الفردية والحريات المدنية. تعتبر هذه الرؤية البديلة ــ وهي شكل من أشكال الديمقراطية غير الليبرالية ــ بيانا رابحا على نحو متزايد بالنسبة لمودي وحزب بهاراتيا جاناتا.
يمثل الهندوس 80 في المئة من سكان الهند. ويغازل حزب بهاراتيا جاناتا هذه الأغلبية العظمى من خلال تعزيز شعورهم بالفخر بدينهم وثقافتهم. وفي بعض الأحيان، يساعد الحزب هذا المشروع من خلال إثارة الاستياء تجاه مسلمي البلاد البالغ عددهم 200 مليون نسمة، والذين يشكلون 14 في المئة من السكان. ويحاول حزب بهاراتيا جاناتا أيضا تعزيز نسخة من التاريخ تقدم الهندوس على أنهم ضحايا جحافل الغزاة المتعاقبة. لا يشكل الهندوس كتلة واحدة، فهم منقسمون حسب الطائفة واللغة، لكن حزب بهاراتيا جاناتا لا يحتاج إلا إلى دعم نصفهم للفوز بالانتخابات الوطنية. وفي عام 2014، حصل على 31 في المئة من الأصوات الوطنية ليحصل على أغلبية المقاعد في البرلمان، وهي المرة الأولى منذ ثلاثة عقود التي يحقق فيها حزب واحد هذا الأمر. وكان أداؤه أفضل في عام 2019، حيث حصل على 37 في المئة من الأصوات.