لقد مر عام منذ اندلاع الصراع في السودان، وابتعدت الأحداث في البلاد عن دائرة الضوء العالمية والتغطية الإعلامية، ولكن الأزمة الإنسانية لا تزال حادة ومؤلمة. إذ يحتاج نصف سكان السودان، أي نحو 25 مليون نسمة، إلى مساعدات إنسانية، حيث نزح أكثر من 8.6 مليون شخص، سواء داخل السودان أو في البلدان المجاورة، وغالبا ما هجروا بدلا من المرة مرات.
وفي الوقت نفسه، يواجه 18 مليون ساكن ندرة غذائية حادة، حيث يقف خمسة ملايين سوداني عند حافة المجاعة. ويعاني عدد كبير من الأطفال، واحد من كل سبعة أطفال دون سن الخامسة، من سوء التغذية الحاد. ويهدد "موسم الأعجف" القادم (بين مايو وأغسطس) بتفاقم هذه الظروف، ما لم تصل المساعدات الإنسانية الضرورية.
علاوة على ذلك، فإن البنية التحتية للرعاية الصحية على وشك الانهيار، خاصة في المناطق النائية، حيث تم تدمير كثير من المرافق أو نهبها وقل عدد الموظفين فيها، ونقصت الأدوية واللقاحات والإمدادات بشكل حاد. واليوم لا يعمل في البلاد سوى 30 في المئة فقط من المرافق الصحية، وبقدرتها الدنيا، بينما تقف الإمدادات الطبية عند مستوى ربع الإمدادات المطلوبة تقريبا. كما لم تتلق مناطق معينة، مثل دارفور، الإمدادات الطبية منذ أكثر من عام.
في كثير من المناطق لا تحصل النساء الحوامل والأطفال حديثو الولادة على الرعاية، ولا يوجد تطعيم للأطفال
وهذا يعني أنه في كثير من المناطق لا تحصل النساء الحوامل والأطفال حديثو الولادة على الرعاية، ولا يوجد تطعيم للأطفال. والمرضى الذين يعانون من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم والسرطان والفشل الكلوي معرضون لخطر حدوث مضاعفات كبيرة يمكن أن تؤدي إلى الوفاة بسبب عدم وجود اللقاح أو الدواء.
وليس الوضع أفضل حالا بكثير في البلدان المجاورة التي تستقبل اللاجئين. وتستضيف تشاد حاليا ما يقرب من 40 في المئة من جميع اللاجئين السودانيين في المنطقة، ولا يزال اللاجئون يتوافدون إلى شرق تشاد، والكثير منهم يعانون من إصابات خطيرة بسبب النزاع ويعانون من سوء التغذية والصدمات النفسية، مما يزيد من الضغط على النظام الصحي الضعيف والهش بالفعل في تلك البلدان. وتنتشر أيضا أوبئة الملاريا والحصبة وحمى الضنك والتهاب الكبد E.
طوال الأزمة المستمرة في السودان، حافظت منظمة الصحة العالمية وشركاؤها على وجود كبير على الأرض. وقدمت منظمة الصحة العالمية المساعدات لنحو 2.5 مليون شخص من خلال الدعم المباشر وتوصيل الإمدادات الطارئة. وقد قدمت العيادات المتنقلة خدماتها إلى 3.3 مليون فرد، كما تلقى 433 ألف لاجئ سوداني شرقي تشاد العلاج الطبي من خلال هذه الخدمات.
وقد أدت الجهود الأخيرة التي بذلتها منظمة الصحة العالمية وشركاؤها لها إلى انخفاض حالات الكوليرا وحمى الضنك والملاريا. ومن الجدير بالذكر أن 4.5 مليون شخص فوق سن عام واحد من الولايات الست المعرضة للخطر الشديد، تلقوا لقاح الكوليرا عن طريق الفم (OCV). وعلاوة على ذلك، تم تطعيم 5.7 مليون شخص في سبع ولايات ضد الحصبة والحصبة الألمانية، وتم توزيع الإمدادات الحيوية لعلاج 115 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد مع مضاعفات طبية.
من المرجح أن تتصاعد الأزمة في السودان بشكل كبير في الأشهر المقبلة
وعلى الرغم من هذا التقدم، فلا تزال هناك حاجة ماسة إلى موارد إضافية لمواصلة إنقاذ الأرواح وتعزيز الصحة العامة، ولذلك فإن المؤتمر الإنساني الدولي للسودان وجيرانه، اليوم، مطالب بأن يأخذ في الاعتبار ثلاث أولويات:
أولا، إن إنشاء إمكانية وصول المساعدات الإنسانية عبر الحدود والممرات الإنسانية، وخاصة في المناطق التي لا تخضع لسيطرة الحكومة، أمر بالغ الأهمية. وعلى وجه التحديد، يعد المرور من معبر أدري مع تشاد مسألة ملحة.
ثانيا، من الضروري أن تحترم جميع الأطراف القوانين الإنسانية الدولية وقوانين حقوق الإنسان وأن تتوقف عن الهجمات على مرافق الرعاية الصحية. وخلال العام الماضي، كان هناك أكثر من 60 هجوما على هذه المنشآت. ومن الأهمية بمكان أن لا يتم استهداف العاملين في مجال الصحة والمرضى والبنية التحتية الطبية أبدا.
ثالثا، منظمة الصحة العالمية مستعدة لتوسيع عملياتها ولكنها تحتاج إلى دعم أكبر بكثير من الجهات المانحة، حيث يتلقى قطاع الصحة حاليا أقل من 12 في المئة من التمويل اللازم له ليعمل كما يجب.
الوقت يمر بسرعة البرق اليوم. ودون وضع حد للقتال وضمان الوصول دون عائق لتقديم المساعدات الإنسانية، فمن المرجح أن تتصاعد الأزمة في السودان بشكل كبير في الأشهر المقبلة، مما قد يؤثر على المنطقة بأكملها.